
مصير الليرة السورية على المحك.. استقرار اقتصادي أم انهيار قادم؟
- ودق - Wadaq
- فبراير 24, 2025
- اقتصاد
- اقتصاد, الدولار الأمريكي, السوق السوداء, الليرة السورية, انهيار, سقوط الأسد, سوريا
- 0 Comments
عمر حاج حسين – شبكة ودق
تشهد الأسواق السورية اضطرابات متزايدة في سعر الصرف منذ سقوط نظام بشار الأسد، حيث ارتفعت قيمة الليرة بشكل مفاجئ بنحو 50%، ما دفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كان ذلك مؤشرًا على انتعاش اقتصادي حقيقي أم مجرد انعكاس لحالة مؤقتة ناتجة عن التلاعب والمضاربة.
وبينما تراوح سعر الصرف مؤخرًا بين 7,000 و12,500 ليرة للدولار الواحد، يتساءل المواطنون عن مدى استقرار هذه الأسعار، وما إذا كان الانخفاض سيستمر أم أن التقلبات ستعيد الليرة إلى مستوياتها السابقة.
يرى المحلل الاقتصادي محمود الرفاعي أن العامل النفسي كان له دور كبير في تحسين قيمة الليرة، مشيرًا إلى أن “سقوط النظام السابق أعاد بعض الثقة للمستثمرين والمتعاملين في السوق المحلية، مما عزز من الطلب على العملة السورية مؤقتًا”.
ولكن الرفاعي حذّر في حديثه مع شبكة ودق من أن هذا التأثير قد لا يدوم طويلًا، إذ تعتمد قيمة الليرة على مدى قدرة الحكومة الجديدة على وضع سياسات اقتصادية واضحة ومستقرة.
كما ورأى الرفاعي أن الإجراءات الأخيرة التي سمحت بحرية أكبر في تداول العملات الأجنبية قد ساعدت في تقليل الضغوط على السوق، لكنه أكّد أن “الأمر لا يقتصر على التحرير النقدي فحسب، بل يتعلق أيضًا بتراجع الطلب على الدولار داخل سوريا نتيجة انخفاض عمليات الاستيراد بشكل مؤقت بعد التغيير السياسي”.
ومع ذلك، أشار الرفاعي لشبكة ودق إلى أن “إعادة فتح باب الاستيراد على نطاق واسع، خاصة للسلع الاستهلاكية، قد ينعكس سلبًا على سعر الليرة مجددًا إذا لم تكن هناك ضوابط حقيقية تحمي الاقتصاد المحلي”.
لكن في المقابل، يعتقد بعض الخبراء أن ما يحدث لا يخلو من التلاعب، إذ يرى الاقتصادي سامر الحاج أن “التجار وشركات الصرافة الكبرى ما زالوا يلعبون دورًا أساسيًا في تحديد أسعار الصرف بطرق غير شفافة”، مضيفًا أن “غياب الرقابة الفعالة على السوق السوداء جعل من السهل على بعض الجهات استغلال الوضع لتحقيق مكاسب سريعة”.
ويشير لـ ودق إلى أن “أي استقرار حقيقي يجب أن يستند إلى قرارات اقتصادية واضحة تعزز الإنتاج المحلي وتقلل الاعتماد على الواردات”.
أما على صعيد السياسات النقدية، فقد أشار إلى أن المصرف المركزي السوري يواجه معضلة كبيرة في ضبط سعر الصرف، إذ “تبدو قدراته محدودة بسبب نقص الاحتياطي النقدي، وعدم وجود أدوات مالية حقيقية تمكنه من التدخل بشكل فعّال في السوق”.
كما لفت إلى أن “غياب رؤية اقتصادية متماسكة يجعل الليرة السورية عرضة للتقلبات، خاصة إذا استمر الاعتماد على قرارات غير مدروسة في إدارة السوق”.
وفيما يتعلق بتأثير فتح الاستيراد على الاقتصاد، يرى الحاج أن “زيادة تدفق البضائع المستوردة قد يؤثر بشكل سلبي على الصناعات المحلية التي تحتاج إلى دعم وحماية خلال هذه المرحلة الانتقالية”، مشيرًا إلى أن “التوجه نحو اقتصاد يعتمد على الاستيراد دون وجود سياسة واضحة لتنمية الإنتاج الداخلي قد يعيد الأزمة من جديد ويضع الليرة تحت ضغط أكبر”.
أما فيما يخص إصدار فئات نقدية جديدة أو إزالة أصفار من العملة، فيرى الحاج أن هذا الخيار “رغم كونه مطروحًا بين بعض الأوساط الاقتصادية، إلا أنه غير قابل للتطبيق في الوقت الحالي بسبب غياب حكومة مستقرة قادرة على اتخاذ قرارات نقدية جوهرية”، لافتًا إلى أن “أي تعديل في النظام النقدي يحتاج إلى استقرار سياسي واقتصادي طويل الأمد لضمان نجاحه دون آثار سلبية”.
وفي السياق، فقد انعكست التقلبات الحادة في سعر الصرف مباشرة على الأسواق المحلية، إذ أدت إلى حالة من الارتباك بين التجار والمستهلكين، وعلى إثرها يقول الاقتصادي عمر الهادي إن “كثيرًا من التجار باتوا مترددين في تسعير بضائعهم نتيجة التقلبات الحادة، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار في الأسواق، ويدفع المستهلكين إلى التخوف من قرارات الشراء”.
كما يربط بعض المحللين أزمة تأخير صرف الرواتب بهذه التقلبات، حيث يقول العيسى: “قد يكون جزء من الأموال الحكومية مخزنًا بالدولار، مما أدى إلى تأخير الرواتب عند انخفاض الدولار أمام الليرة، وهو ما يخلق حالة من الإرباك المالي في مؤسسات الدولة”.
أما عن التوقعات المستقبلية، فيرى الهادي في حديثه لشبكة ودق أن “استقرار الليرة السورية في المدى القريب يعتمد على مدى قدرة الحكومة على فرض سياسات اقتصادية حقيقية، وتأمين مصادر دخل ثابتة عبر تنمية القطاع الصناعي والزراعي بدلًا من الاعتماد على الاستيراد”.
لكنه يؤكد أن “أي تحسن مستدام مرتبط أيضًا بموقف الدول الغربية من العقوبات المفروضة على سوريا، حيث تشير التوقعات إلى احتمال رفع جزئي للعقوبات عن بعض القطاعات الاقتصادية قريبًا، ما قد يمنح الليرة فرصة للبقاء في نطاق مستقر لفترة محدودة”.
مع استمرار هذه التحديات، يبدو أن تحقيق استقرار حقيقي في قيمة الليرة لن يكون ممكنًا دون إصلاحات جذرية، تشمل تعزيز الإنتاج المحلي، مكافحة التلاعب في الأسواق، وفرض سياسات نقدية متماسكة تضمن عدم عودة الأزمة المالية مجددًا.