كفاءات بلا سلطة! فمن يقود الحكومة الجديدة ؟

في ظل التغييرات الأخيرة التي طرأت على التشكيلة الحكومية في سوريا، والتي جاءت تحت عنوان “حكومة الكفاءات”، بدأ الكثيرون يتساءلون عن مدى واقعية هذا الوصف، ومدى قدرة هذه الحكومة فعلاً على إحداث التغيير الذي ينتظره الشارع السوري منذ سنوات.
الوجوه الجديدة التي ظهرت على الساحة السياسية تمتلك خلفيات أكاديمية وإدارية مشهود لها، وهي شخصيات تحظى بقدر من الاحترام حتى بين المعارضين، ومع ذلك، يظل السؤال معلقاً: هل يكفي امتلاك الكفاءة في غياب الصلاحيات الفعلية؟
المشكلة، كما يراها بعض المراقبين، ليست في الأشخاص أنفسهم، بل في الإطار الذي يُفرض عليهم العمل من خلاله، هناك انطباع بأن النظام الإداري والسياسي ما زال يحتفظ ببنية جامدة يصعب اختراقها أو تجاوزها، ما يجعل الوزراء والمسؤولين الجدد وكأنهم يديرون الملفات من خلف زجاج غير قابل للكسر، يرون الواقع، يملكون المقترحات، لكنهم يفتقرون إلى الآلية التي تتيح لهم تنفيذ القرارات الجذرية، وهذا ما يُشعر المواطن السوري بأن شيئاً لم يتغير سوى الأسماء.
اللافت أيضاً أن عدداً من الأسماء البارزة التي كانت مرشحة لتولي مناصب وزارية فضّلت البقاء خارج هذه الحكومة، فالتفسيرات التي تُطرح لهذا العزوف عديدة، بعضها يتعلق بالخشية من الدخول في تجربة محكومة بالفشل سلفاً، وبعضها الآخر يتحدث عن انعدام الثقة بوجود إرادة حقيقية للتغيير، فهل نحن أمام أزمة ثقة متبادلة بين النخبة السياسية والتكنوقراطية؟
أم أن المشكلة تكمن في العقلية التي ما زالت تتحكم في مفاصل الدولة العميقة، وتضع حدوداً غير مرئية لأي إصلاح حقيقي؟
هذا التباين بين المؤهل والكفء من جهة، والمقيد بصلاحيات محدودة من جهة أخرى، يطرح إشكالية كبيرة أمام تطلعات السوريين الذين لا يطالبون اليوم برفاه اقتصادي أو إنجازات خارقة، بل يكفيهم أن يشعروا بأن من يدير شؤونهم هو شخص لديه حرية القرار وتحمل المسؤولية، لا مجرد صورة تُستبدل بأخرى كلما اقتضت الحاجة.
وفي ظل تسارع الأحداث داخلياً وخارجياً، وتزايد التحديات المعيشية والسياسية، تبدو الحاجة ملحّة إلى إعادة تعريف العلاقة بين المسؤول وصلاحياته، بين السلطة والكفاءة، بحيث يُمنح من يمتلك القدرة على الإدارة أيضاً سلطة اتخاذ القرار والتنفيذ، فاستمرار هذه الفجوة بين الفهم والعمل، بين النية والفعل، لن يؤدي إلا إلى مزيد من خيبات الأمل.
ربما السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم بجدية: هل نحن فعلاً بصدد مشروع بناء دولة مؤسسات حقيقية؟
أم أننا ما زلنا نراوح في مساحة رمادية بين الإصلاح الشكلي والمحافظة على البنية القديمة؟
الإجابة عن هذا السؤال لن تكون في التصريحات ولا في الخطط المعلنة، بل في الأفعال اليومية التي يلمسها الناس، وفي قدرتهم على الشعور بأنهم يعيشون في بلد يحكمه مسؤولون قادرون على الفعل، لا مجرد أصحاب كفاءة محاصرين بقفص من الزجاج.

اترك تعليقا