الرقة ودير الزور في قلب الجفاف: الأمم المتحدة تتحرك لإنقاذ الزراعة السورية

خاص – ودق – الباحث الإقتصادي: محمد السلوم

في ظل تصاعد أزمة الجفاف التي تعصف بسوريا منذ سنوات، أطلقت وزارة الزراعة السورية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي (WFP) اتفاقية شراكة تهدف إلى تقديم دعم نقدي وغذائي عاجل للمزارعين المتضررين، في خطوة تستجيب لحالة الطوارئ المناخية والإنسانية التي تمر بها البلاد. وتأتي هذه الاتفاقية في لحظة فارقة، حيث تشير تقارير أممية إلى أن سوريا تواجه أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من سبعين عامًا، مع انهيار الإنتاج الزراعي وتدهور سبل العيش في الأرياف.

الجفاف الأسوأ منذ سبعة عقود

تؤكد منظمات مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن سوريا تشهد جفافًا غير مسبوق، حيث انخفضت معدلات الهطل المطري إلى ما دون النصف مقارنة بالمتوسط السنوي، مما أدى إلى تضرر نحو 2.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية. وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على المحاصيل الأساسية، خاصة القمح، الذي سجل خسائر قدرت بـ 2.7 مليون طن، إضافة إلى تراجع في أعداد المواشي بنسبة تتجاوز 40%.

وتعد محافظتا الرقة ودير الزور من أكثر المناطق تضررًا وفق تقييمات الأمم المتحدة، حيث يعتمد جزء كبير من السكان على الزراعة كمصدر أساسي للدخل والغذاء. هذه المناطق التي تقع في شرقي البلاد، تعاني أصلًا من ضعف في البنية التحتية الزراعية، وعدم انتظام الدعم الحكومي خلال السنوات الماضية، ما جعل تأثير الجفاف فيها مضاعفًا.

اتفاقية لدعم 33 ألف مزارع

استجابةً لهذا الوضع الطارئ، وقعت وزارة الزراعة السورية اتفاقية رسمية مع برنامج الأغذية العالمي في دمشق، بحضور وزير الزراعة الدكتور أمجد بدر والمديرة القطرية للبرنامج ماريان وارد. وتهدف الاتفاقية إلى تقديم دعم مباشر لنحو 33 ألف مزارع، موزعين على عدة محافظات، عبر تدخلين متكاملين:

التدخل الأول يتمثل في تقديم دعم مالي زراعي للمزارعين في محافظات الحسكة، حلب، إدلب، حمص، حماة ودرعا، على مدى دورتين إلى ثلاث دورات زراعية، اعتمادًا على شدة الجفاف وهشاشة الأوضاع المعيشية للأسر المتضررة.

التدخل الثاني يشمل تقديم مساعدات غذائية طارئة للمزارعين المتضررين في الرقة ودير الزور، من خلال توزيع حصص غذائية شهرية بين شهري آب وكانون الأول، بهدف التخفيف من آثار فقدان المحاصيل وتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية.

وأكد الوزير أمجد بدر في تصريح رسمي أن “هذه الاتفاقية تمثل خطوة عملية لتعزيز صمود الفلاحين في وجه الجفاف، وأن التعاون مع المنظمات الأممية ضرورة لمواجهة التحديات المركبة التي يواجهها القطاع الزراعي، من نقص الأمطار إلى تدهور البنى التحتية نتيجة الحرب والحرائق”.

من جهتها، أوضحت المديرة القطرية لبرنامج الأغذية العالمي، ماريان وارد، أن “الدعم النقدي يهدف إلى منح المزارعين مرونة أكبر في شراء احتياجاتهم الأساسية من البذور والأسمدة، وإعادة استثمار ما تبقى من الموسم الزراعي”، مؤكدة أن هذا البرنامج جزء من تدخلات أوسع تشمل دعم الري واستعادة سلاسل الإمداد الزراعي.

تحديات التنفيذ في مناطق شرق الفرات

رغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن تنفيذ الاتفاقية يواجه تحديات ميدانية معقدة، خصوصًا في المناطق الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا، المعروفة بـ “قسد”، والتي تشمل أجزاء واسعة من الحسكة، الرقة، وأجزاء من دير الزور. فبينما تم توقيع الاتفاق مع الحكومة السورية في دمشق، فإن تنفيذ الدعم في تلك المناطق يتطلب تنسيقًا ميدانيًا مع سلطات الأمر الواقع، لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها دون عوائق سياسية أو أمنية.

ورغم هذه التحديات، يتمتع برنامج الأغذية العالمي بخبرة طويلة في العمل عبر خطوط التماس، وقد أظهرت تجارب سابقة أن التعاون الميداني مع المنظمات الشريكة في مناطق “قسد” أثمر في إيصال المساعدات الإنسانية إلى شرائح واسعة من المتضررين، دون أن تعيق التعقيدات السياسية الغاية الأساسية وهي حماية سبل العيش الزراعي وإنقاذ الريف من الانهيار.

نحو استجابة أكثر استدامة

الاتفاقية الأخيرة تمثل نموذجًا مهمًا للاستجابة السريعة والفعالة، لكنها تبقى خطوة أولى في طريق طويل لإعادة إحياء القطاع الزراعي السوري. فمع اشتداد التغيرات المناخية وتدهور الموارد المائية، تبرز الحاجة إلى خطط وطنية مستدامة تشمل تطوير شبكات الري، ودعم الفلاحين تقنيًا، وتحسين الوصول إلى الأسواق.

وبينما يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، كما تشير تقارير الأمم المتحدة، فإن دعم الزراعة لم يعد ترفًا أو خيارًا، بل هو ضرورة بقاء لبلد طال عطشه… وبات اليوم بحاجة ماسة لزرع الأمل في حقوله من جديد.

اترك تعليقا