
حين تتعلّم الحكمة من قطٍ واثق: كيف نصمد في عالم متوتر؟
- ودق - Wadaq
- يونيو 30, 2025
- ثقافة
- تنمية بشرية, ثقافة, فكر وتصرف كأنك قط
- 0 Comments
ودق ـ ثقافة
في عالم يزداد توترًا وتعقيدًا، حيث تتزاحم علينا الضغوط المالية والمهنية والعائلية، لا يخطر ببال كثيرين أن يجدوا ضالتهم في حيوان يسير بخطى واثقة بين الأرائك والنوافذ. لكن الكاتب الفرنسي ستيفان جارنييه فعل ذلك، وجاءنا بكتاب غير تقليدي يحمل عنوانًا لا يقل غرابة عن فكرته: “فكر وتصرف كأنك قط: دليلك للتغلب على ضغوط الحياة”.
كتب جارنييه هذا العمل بعد مراقبة دقيقة لسلوك قطه المنزلي، ذلك الكائن الذي بدا وكأنه يعيش في كون موازٍ لا يعترف بالقلق أو التوتر أو حتى التظاهر لإرضاء الآخرين. هذا التأمل البسيط قاد المؤلف لاكتشاف عميق: القطط لا تتظاهر. لا ترهق نفسها لإثبات جدارتها. ولا ترضخ لضغوط الحياة… لماذا لا نفعل مثلها؟
فلسفة “القططية”: أن تكون أنت دون اعتذار
القط في نظر جارنييه هو معلم عظيم في فن العيش ببساطة وثقة. فهو يعرف متى يسترخي، ومتى يرفض، ومتى يبتعد دون دراما. لا يسعى لإرضاء الجميع، ولا يتبرر كثيرًا. إنه ببساطة، يعيش كما هو، دون قناع.
تدعونا صفحات الكتاب إلى ممارسة اللامبالاة الإيجابية: أن نكفّ عن استنزاف طاقتنا في التبرير، أو ملاحقة رضا الآخرين، أو محاولة التكيف مع ما لا يشبهنا. فكما أن القط لا يشرح لماذا لم يأتِ عندما ناديناه، لماذا نشعر نحن بالذنب إن لم نرد على رسالة فورًا أو رفضنا دعوة لا تناسبنا؟
الاسترخاء ليس رفاهية… بل ضرورة بقاء :
من بين أهم الدروس التي يلتقطها الكاتب من سلوك القطط: أنها لا تخجل من الراحة. النوم في وضح النهار، التمدد بلا قلق، تخصيص وقت للهدوء والكسل… كلها طقوس تعزز من توازنها الجسدي والنفسي. وعلى النقيض، نحن البشر غالبًا ما نحمل ذنب الراحة كأنها جريمة، ونمضي في سباق لا يتوقف حتى تنهك أرواحنا.
اللعب، الحدود، التوازن: ثلاثية القطط السحرية
القطط تلعب بجدية، لكنها أيضًا تضع حدودًا لا يمكن تجاوزها. تقترب بحذر، وتحب حين ترغب، وتنسحب حين لا يروق لها الموقف. لا خوف من الرفض، ولا مجاملة على حساب الذات.
وهنا يأتي السؤال العميق: لماذا لا نملك نحن هذه الجرأة في تحديد حدودنا؟ لماذا نتحمل ما لا نطيق؟ يقدم جارنييه دعوة غير مباشرة إلى استعادة السيادة على وقتنا ومزاجنا وعلاقاتنا، تمامًا كما تفعل القطط.
رسالة الكتاب: كن حقيقيًا، تكن حرًا
ربما لا يدعونا الكاتب لنعيش كقطط حرفيًا، لكن رسالته الجوهرية هي:
“في داخل كل منا قطٌّ صغير يعرف تمامًا ما يريد، وينتظر فقط أن نصغي إليه.”
القط، ببساطته وتعقيده في آن، يصبح رمزًا للإنسان الحرّ من وطأة التوقعات. والكتاب بصفحاته الهادئة لا يمنح وصفة سحرية، بل يقترح تبديل زاوية الرؤية: من عقل قلق، إلى وعي متأمل؛ من حياة مسرعة، إلى إيقاع متناغم يشبه خطوات قطة على سطح دافئ.
أن تفكر كقط… يعني أن تعيش بذكاء:
حين نعيد تعريف القوة على أنها القدرة على قول “لا”، والنجاح على أنه الاتساق مع الذات، سنفهم لماذا اختار الكاتب أن يتعلّم من كائن صامت، لكنه يقول الكثير في كل حركة.
فكر كقط، تنفس كقط، عش كقط… وربما، فقط ربما، تجد راحتك.