
رئاسة السيد أحمد الشرع دون انتخابات
- ودق - Wadaq
- يناير 31, 2025
- سوريا, مقالات
- سوريا, مقالات
- 0 Comments
ضرورة تفرضها المرحلة أم خطوة جدلية؟
لم يكن تعيين السيد أحمد الشرع رئيساً لسوريا دون انتخابات مفاجأة للعارفين بتعقيدات المشهد السوري، بل كان خطوة محسوبة بدقة، فرضتها الضرورة السياسية والواقع الذي خلّفه النظام السابق، ذلك الواقع الذي لم يترك للبلاد أي بنية قانونية أو إدارية تتيح عملية انتخابية نزيهة. ومع ذلك، خرجت بعض الأصوات تشكك، تنتقد، وتطرح تساؤلات تبدو مشروعة في ظاهرها، لكنها تعكس إما جهلاً بحقيقة الوضع، أو إنكاراً مقصوداً للحقائق التي أوصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم.
دولة بلا سجلات… كيف تُجرى انتخابات؟
قبل الحديث عن الانتخابات، علينا أن نسأل: هل تمتلك سوريا اليوم أساساً أي بنية إدارية تؤهلها لخوض تجربة ديمقراطية سليمة؟
الحقيقة أن البلد الذي حكمه بيت الأسد لأكثر من خمسين عاماً لا يمتلك حتى سجلات مدنية دقيقة. كيف يمكن تنظيم انتخابات في بلد لا يوجد فيه إحصاء رسمي للسكان، حيث الهوية الوطنية مزورة لملايين السوريين، وحيث الأموات ما زالوا يُحسبون أحياءً، والمفقودون لا أثر لهم في سجلات الدولة؟
في نظام الأسد، لم تكن هناك قاعدة بيانات مدنية حقيقية، بل كانت الدولة تعمل على تزوير الهويات، وإخفاء الأرقام الحقيقية للسكان، وتمييع أي محاولة لإنشاء سجل وطني يمكن الاعتماد عليه مستقبلاً. أضف إلى ذلك، ملايين السوريين المهجّرين في الداخل والخارج، من يحملون وثائق مزورة، ومن لا يحملون أي وثائق رسمية بسبب الحصار أو الحرب أو التهجير القسري. كيف يمكن إجراء انتخابات في بلد يعاني من هذه الفوضى الإدارية؟
أي انتخابات في هذا الظرف ستكون مجرد مهزلة، وستفتح الباب أمام تدخل القوى الإقليمية والدولية لتوجيهها كما يحلو لها، وربما منح مفاتيح سوريا لأطراف تسعى لتقسيمها وإضعافها أكثر مما هي عليه الآن.
الأرض ليست ملكاً للصامتين
مفارقة مضحكة أن من يعارضون تعيين السيد أحمد الشرع اليوم، هم إما لا يفقهون شيئاً عن السياسة، أو أنهم كانوا من الصامتين حين كانت سوريا تُدمَّر، حين كان النظام السابق يعقد “انتخاباته” المزوّرة بدماء السوريين، حين كانت صور الطاغية تملأ الشوارع ولا أحد يجرؤ على إزالة ورقة منها، حين كان “الاستفتاء” يعني إجبار المواطن على التصويت بنعم وإلا فإن مصيره معروف، حين كان المهّجرون يترنحون بين برد الخيام و ظلمات البحر و اللجوء، حين كان الأحرار يقصفون ببراميل المخلوع، أين كانوا؟
هؤلاء الذين لم يعترضوا حين كان الأسد يرث الحكم كما تورّث العقارات، فجأة أصبحوا ديمقراطيين يطالبون بانتخابات نزيهة، وكأن النظام السابق كان يستشير السوريين في حكمهم، وكأن المخلوع جلس على الكرسي بإرادة شعبية، وليس فوق بحر من الدماء، بانتخابات نتيجتها محسومة حتى قبل أن تبدأ.
المرحلة تحتاج إلى الحسم لا العبث السياسي
سوريا اليوم ليست في مرحلة انتخابية و هذا واضح لكل من يفهم السياسة، بل في مرحلة إنقاذ وطني، مرحلة تحتاج إلى قيادة قادرة على تثبيت الاستقرار، لا إلى مسرحية انتخابية يستغلها الطامعون لتفكيك البلاد أكثر، و قد رأينا تجارب سابقة لدول مجاورة ليست قادرة حتى اليوم أن تحصل على استقرارها أو ثباتها السياسي، تعيين السيد أحمد الشرع لم يكن قراراً دكتاتورياً، بل كان ضرورة فرضها الواقع، خطوة تهدف إلى استعادة السيطرة، ومنع الدول المتربصة من اختراق القرار الوطني تحت ستار الديمقراطية المزيفة.
هناك دول تنتظر اللحظة المناسبة لتقسيم سوريا، ميليشيات تبحث عن شرعية لسلطتها، أطراف إقليمية تسعى لوضع عملائها في واجهة المشهد، فهل كان الحل أن نفتح الباب لكل هؤلاء ليقرروا مصيرنا؟ أم أن سوريا بحاجة إلى قيادة وطنية خالصة، تأخذ زمام الأمور بحسم، وتعيد ترتيب البيت الداخلي حتى يأتي الوقت المناسب الذي سنتحدث فيه عن انتخابات أو ديمقراطية؟
الدماء التي سُفكت ليست ورقة انتخابية
من يطالب بانتخابات الآن إما جاهل، أو متجاهل، أو مُغرض. هذه ليست مرحلة الصناديق، بل مرحلة حماية الأرض وصون الكرامة. سوريا لم تصل إلى هذا اليوم بالتفاوض والانتخابات، بل بدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الحرية. فكيف يُترك القرار لمن صمت وهرب حين كانت البلاد تحترق، بينما الذين ناضلوا و ضحوا هم الأقدر على فهم التحديات، وهم الأجدر باتخاذ القرارات المصيرية التي تضمن مصلحة سوريا في هذه المرحلة الحساسة؟
لن يكون هناك من هو أكثر حرصاً و غيرة على سوريا ممن تكلم و صرخ و ناضل في سبيل الحرية، السيد الشرع يعي تماماً بأن سوريا ليست كعكة، هو ليس طباخاً يعد الكعكة ثم يقدمها على طبق من ذهب، الإدارة الجديدة تعي تماماً بأن المرحلة الحالية هي الأشد، مرحلة الحفاظ على سوريا من أي أطماع أو عدم استقرار سياسي للبلاد.
الأوطان لا تُبنى على الحياد، ولا تُقاد برضا الجميع، بل تُبنى بالمواقف الحاسمة، وبقيادات تعرف متى يكون القرار بيد الشعب، ومتى يجب أن يُتخذ لحماية الشعب، فالبعض منا غير قادر على قيادة أسرته، فلينظر لنفسه في المرآة هل يصلح لقيادة شعب أو اتخاذ قرار؟
هذا ليس وقت الترضيات السياسية، ولا وقت إرضاء من جلسوا متفرجين على الثورة، بل هو وقت تثبيت سوريا على قدميها، ومن ثم الحديث عن الديمقراطية بالشكل الذي يضمن وحدة الأرض واستقلال القرار.
تعيين السيد أحمد الشرع رئيساً لسوريا لم يكن تجاوزاً لإرادة الشعب، بل كان ترجمة حقيقية لها و لمن يعي مصلحة سوريا، فهو لم يأتِ فوق جثث و دماء السوريين، ولم يفرض نفسه عليهم بقوة السلاح و ظلم المعتقلات، بل جاء و من معه بإرادة من ناضلوا وواجهوا، من لم يبدلوا مواقفهم، من عرفوا أن الطريق إلى الحرية لا يُختصر بورقة اقتراع تُستخدم ذريعة لبيع الوطن.
نحن لسنا في مرحلة اختيار، بل في مرحلة إنقاذ. إما أن تُحكم سوريا بيد أبنائها، أو أن نتركها لتتخطفها الأيادي المتربصة، والفرق بين الخيارين هو ما يحدد إن كنا سنكتب فجر الحرية، أم نعيد مأساة الاستبداد و عدم الاستقرار السياسي بوجوه جديدة„
بقلم أحمد خليف