أحمد الشرع

تعزيز ثقافة الاحترام بين الشعب والحكومة

مع دخول سوريا مرحلة جديدة بقيادة السيد أحمد الشرع، نلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة على فيسبوك، تتناول الحديث عن رئيس الدولة بأسلوب يفتقر إلى الرسمية المطلوبة عند الحديث عن شخصية تتولى أعلى سلطة تنفيذية في البلاد. بعض هذه المنشورات تأتي في سياق المزاح المبالغ فيه، بينما يعمد البعض الآخر إلى التحدث عنه وكأنه صديق شخصي أو فرد من الحي، متجاهلين مكانته السياسية ومسؤوليته كرئيس دولة.

هذا النمط من التعامل يطرح إشكالية ثقافية وسياسية في طريقة مخاطبة القادة والمسؤولين، خصوصاً في دولة خرجت من مرحلة حكم استبدادي طويل، وتسعى إلى بناء نظام سياسي قائم على المؤسسات والاحترام المتبادل بين الشعب والحكومة. فكيف يمكننا التأسيس لدولة تحترم مؤسساتها إن لم يبدأ هذا الاحترام من الخطاب العام وطريقة تعامل الناس مع رموزها؟

الرئيس ليس شخصية عادية

من الواضح أن السيد أحمد الشرع يتمتع بشخصية متواضعة، وهو قريب من الناس، ولطالما حرص على إظهار هذه القربى في خطاباته، إلا أن التواضع الشخصي للرئيس لا يعني أبداً التساهل في انتقاء الألفاظ عند الحديث عنه. هناك فرق جوهري بين أن يكون القائد قريباً من شعبه، وبين أن يتم التعامل معه وكأنه شخصية عادية بلا اعتبار لمنصبه أو لموقعه في الدولة.

إن احترام القائد لا يعني تقديسه، وإنما يعني التعامل معه بقدر من الرسمية والمسؤولية التي تعكس وعينا ونضجنا السياسي. وهذا أمر طبيعي في كل الدول التي تحترم نفسها، فحتى في الأنظمة الديمقراطية التي يكون فيها المسؤول منتخبًا من الشعب، تبقى هناك ضوابط تحكم كيفية الحديث عنه ومخاطبته.

الخطاب العشوائي وأثره على صورة الدولة

إن انتشار منشورات تتحدث عن الرئيس بأسلوب ساخر أو متساهل قد يبدو للبعض عفوياً، لكنه في الواقع يساهم في خلق جو من الاستخفاف بالمؤسسات الرسمية، مما يضر بالمرحلة الانتقالية الحساسة التي تمر بها سوريا. في الوقت الذي نسعى فيه إلى بناء دولة القانون والمؤسسات، علينا أن ندرك أن هيبة الدولة تبدأ من احترام رموزها والمسؤولين فيها، وليس من خلال التعامل مع من يقودها بأسلوب لا يليق بحجم المسؤولية التي يتحملها.

الاحترام في الحديث ليس مسألة شكلية، بل هو انعكاس لثقافة سياسية ناضجة يجب أن تترسخ في المجتمع. فكما ننتقد الفوضى التي كانت سائدة في مراحل سابقة، علينا ألا نقع في نفس الأخطاء بأسلوب آخر.

مسؤولية الثوار والأحرار في تعزيز الخطاب الواعي

باعتبار أن الثورة السورية جاءت لتغيير الواقع نحو الأفضل، فمن الطبيعي أن يكون الثوار والأحرار هم القدوة في هذا التغيير، سواء في أسلوب النقد أو في احترام مؤسسات الدولة الجديدة. نحن الذين نطالب بتأسيس نظام سياسي قائم على الاحترام المتبادل والمحاسبة والمواطنة المتساوية، وبالتالي يجب أن نكون أول من يُطبق هذه المبادئ عملياً، بدءاً من اللغة التي نستخدمها في الحديث عن القادة والمسؤولين.

إن طريقة خطابنا حول الشخصيات العامة لا تعكس فقط رؤيتنا لهم، بل تعكس أيضاً مدى وعينا كمجتمع ومدى احترامنا لمؤسسات الدولة. الاحترام هنا ليس لشخص الرئيس فقط، بل لما يمثّله من منصب سيادي في الدولة السورية الجديدة.

لنرتقِ بخطابنا

إن بناء دولة حديثة تتسم بالمؤسساتية والانضباط لا يبدأ فقط من القوانين والإجراءات، بل يبدأ من ثقافة الاحترام التي يجب أن تسود في الخطاب العام. كل كلمة تقال عن السيد أحمد الشرع تعكس مستوى إدراكنا لأهمية المكانة الرئاسية والمسؤولية التاريخية التي يحملها في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ سوريا.

لذلك، من الضروري أن نحرص جميعاً على انتقاء كلماتنا بعناية عند الحديث عن رئيس البلاد، وألا نجعل من اللغة العشوائية أو المزاح غير اللائق أسلوباً في التعاطي مع المرحلة الانتقالية التي تحتاج إلى أقصى درجات الجدية والالتزام. الاحترام هنا ليس فقط للرئيس، بل للدولة التي نحاول بناؤها وللمستقبل الذي نطمح إليه.

أحمد الخليف

اترك تعليقا