رامي مخلوف… الإمبراطورية التي انهارت من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد العائلة… ثم إلى الهامش بعد سقوط نظام الأسد

خاص| ودق – سوريا

لم يكن اسم رامي مخلوف مجرد عنوان لرجل أعمال نافذ في سوريا، بل كان التعبير الأكثر وضوحاً عن بنية الاقتصاد السياسي للنظام السابق: اقتصاد يقوم على الاحتكار، وتحويل الدولة إلى مورد خاص في يد عائلة واحدة، وإغلاق السوق أمام أي منافسة حقيقية. في السنوات التي سبقت الثورة السورية، كان مخلوف يمثّل الذراع المالية الأقوى لبشار الأسد، لكنه أيضاً كان التجسيد المباشر للخلل البنيوي الذي انفجر لاحقاً مع اندلاع الاحتجاجات. ومع سقوط النظام لاحقاً، بدا واضحاً أن الإمبراطورية التي تمدّدت لعقود كانت هشّة بقدر هشاشة النظام الذي صنعها.

إمبراطورية صُنعت داخل القصر: بدايات النفوذ

منذ اللحظة الأولى لظهوره، كان صعود رامي مخلوف صعوداً سياسياً قبل أن يكون اقتصادياً. فقد صُمّم موقعه داخل الاقتصاد السوري ليتحوّل إلى “الحاكم الفعلي” للمال العام، عبر سلسلة من الامتيازات والتسهيلات والتشريعات التي فتحت أمامه كل الأبواب وأغلقت أمام الآخرين كل النوافذ.

بدأت القصة مع شركة “سيريتل”، التي شكلت أول حجر في مشروع احتكار ضخم شمل القطاعات الأكثر ربحية:

الاتصالات، المصارف، التجارة الحرة، المرافئ، الطيران، النفط، وحتى الأسواق الحرة في المعابر.

لم يكن النظام يريد سوقاً تنافسية، بل يريد “سوقاً خاضعة”. ومع مرور الزمن، أصبحت إمبراطورية مخلوف تمثل أكثر من 60% من الاقتصاد السوري بشكل مباشر أو غير مباشر.

رامي مخلوف في زمن الثورة: من رجل الأعمال إلى صانع اقتصاد الحرب

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تغيّرت قواعد اللعبة. لم يعد مخلوف مجرد رجل أعمال نافذ، بل أصبح شرياناً مالياً للنظام، يمول شبكات الأمن والعمليات العسكرية ويضمن السيولة في ظل الانهيار الاقتصادي.

امتلكت شبكاته قدرة كبيرة على التحرك خارج النظام المصرفي، فكانت:

تدير تحويلات نقدية خارجية

تشتري ولاءات

تُنشئ شركات واجهة

وتغطي نفقات أمنية وعسكرية

تحوّل اقتصاد مخلوف في سنوات الثورة إلى اقتصاد حرب متكامل، مرتبط بالتهريب، والجمارك، والمرافئ، وشبكات رجال أمن وقضاة وسماسرة يعملون تحت مظلته.

الصدام الكبير: مخلوف مقابل أسماء الأسد

ابتداء من عام 2018، أصبحت إمبراطورية مخلوف عبئاً ثقيلاً على القصر. فصعود أسماء الأسد ورغبتها في بناء شبكتها الاقتصادية الخاصة، جعل استمرار نفوذ مخلوف خطراً سياسياً على مركز القرار.

بدأت عملية “تفكيك بطيء” للإمبراطورية، انتهت بانفجار علني عام 2020 عندما نشر مخلوف تسجيلاته التي لم يسبق أن تجرأ فيها أحد على مخاطبة النظام بهذا الشكل.

كانت تلك اللحظة إعلاناً واضحاً لنهاية الحليف الأقوى في تاريخ العائلة الحاكمة.

جُمّدت حساباته

صودرت شركاته

تفككت شبكاته

خرج من دائرة النفوذ لأول مرة منذ عقدين

لم يسقط الاقتصاد السوري فقط في تلك المرحلة… بل سقطت معه آخر بقايا الشرعية الاقتصادية للنظام.

بعد سقوط النظام وصعود الرئيس أحمد الشرع: مخلوف خارج اللعبة

ومع سقوط نظام الأسد ووصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم، دخل رامي مخلوف مرحلة جديدة بالكامل. لم يعد الرجل الذي يقرر أين تذهب الأموال وأين تتوقف، ولا اليد المالية التي تمسك بالدولة.

أعيد فتح ملفاته وفق إطار العدالة الانتقالية، وبدأت عمليات التدقيق، والمراجعة، ومحاولة استعادة أكبر قدر ممكن من الأموال المنهوبة.

موقف الشرع كان واضحاً:

لا مكان لرجال العهد السابق في إدارة الدولة الجديدة، ولا استثناءات.

أصبح مخلوف “ملفاً اقتصادياً” أكثر منه شخصية عامة.

وعلى الرغم من أنه لم يكن جزءاً من المواجهة السياسية، إلا أن مكانته القديمة اختفت تماماً أمام خيار الدولة الجديدة ببناء اقتصاد يقوم على القانون لا على الولاء.

أما العلاقة بين الرجلين فقد بقيت باردة، متباعدة، وشبه صامتة. الشرع يريد دولة تنسى مرحلة الفساد، ومخلوف يبحث عن طريقة لتجنّب المواجهة.

صوت الشعب… نهاية الإمبراطورية وبداية زمن جديد

 تبدو قصة رامي مخلوف ليست مجرد حكاية سقوط رجل أعمال، بل سقوط نموذج اقتصادي كامل عاش على جهد السوريين وثرواتهم لعقود.

لقد دفع الشعب دماء أبنائه من أجل أن تسقط هذه المنظومة، وها هو صوته اليوم يتردد أعلى من أي وقت مضى:

لن تُدار سوريا مرة أخرى كغنيمة، ولن يتحول اقتصادها إلى ملكية خاصة، ولن يُختطف مستقبلها لصالح أشخاص مهما كبرت أسماؤهم.

انتهت إمبراطورية مخلوف… وانتهى معها زمنٌ كامل.

وبدأ السوريون بتأسيس زمن جديد، هم أصحاب كلمته، وهم أصحاب دولته.

اترك تعليقا