
لماذا أود العودة إلى سوريا؟
- ودق - Wadaq
- يناير 22, 2025
- مقالات
- مقالات
- 0 Comments
العودة إلى سوريا ليست مجرد قرار، بل هي نداء لا يخفت صوته في داخلي مهما ابتعدت المسافات. الوطن ليس فقط قطعة أرض أو مكان ولادة، بل هوية متجذرة في الروح، وحب لا يُنسى مهما حملتنا الحياة إلى أماكن أخرى. سوريا هي الذكريات، هي الرائحة التي تسكن الذاكرة، هي الشوارع التي كبرنا فيها، وهي الأمل الذي لا يموت في أن تعود كما كانت، بل وأفضل مما كانت.
رغبتي في العودة ليست فقط بسبب الحنين أو الشعور بالانتماء، بل أيضاً لإيماني العميق بأن سوريا تحتاج إلى جميع أبنائها لإعادة البناء. لقد منحتنا الغربة فرصة للتعلم، لا يمكن إنكار ذلك، لكنها كانت أيضاً مدرسة قاسية علمتنا أن الوطن ليس مجرد خيار، بل مسؤولية. اكتسبنا في الغربة معرفة وخبرات لم تكن لتتاح لنا لولا اضطرارنا للرحيل، واليوم، بعد أن أصبحنا أكثر وعياً وإدراكاً، حان الوقت لنعود، ليس فقط لنعيش، بل لنشارك في إعادة بناء ما تهدم، ونكون جزءاً من نهضة سوريا الجديدة.
أبعاد العودة إلى سوريا: الاقتصاد، السياسة، والمجتمع
الحديث عن العودة ليس مجرد كلام عاطفي، بل هو مشروع حقيقي يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية واجتماعية، لأن سوريا الجديدة تحتاج إلى العقول والخبرات قبل أن تحتاج إلى الموارد.
على الصعيد الاقتصادي، فإن إعادة الإعمار لا تعني فقط بناء ما تهدم، بل تعني بناء اقتصاد حديث قادر على المنافسة. الاقتصاد الرقمي هو مفتاح المستقبل، فلا يمكن لأي دولة أن تنهض دون أن تمتلك منظومتها الرقمية المستقلة. في كل القطاعات، من المصارف إلى الصناعة، أصبح الاعتماد على الأنظمة الرقمية أمراً حتمياً، وأي نهضة اقتصادية حقيقية تحتاج إلى خبرات تقنية وطنية تديرها، لا إلى استيراد حلول جاهزة من الخارج.
أما سياسياً، فإن استقلال الدولة في قرارها لا يتحقق فقط من خلال السيادة على الأرض، بل أيضاً من خلال السيادة على البيانات والأنظمة الرقمية. لا يمكن لدولة أن تكون قوية إذا كانت بنيتها التحتية الرقمية في أيدي شركات أجنبية أو جهات غير موثوقة، فالمعلومات هي سلاح العصر، وحماية البيانات الوطنية هي قضية أمن قومي لا يمكن التهاون فيها. و رأينا تجارب دول سابقة في التعامل مع شركات أجنبية، ثم أصبحت بيانات وزاراتها تباع عبر قنوات التلغرام و الدارك ويب.
اجتماعياً، فإن عودة العقول والخبرات ستساهم في تغيير طريقة تفكير المجتمع، وستوفر فرص عمل جديدة، خاصة في القطاعات الحديثة التي لا تزال ضعيفة في سوريا. من خلال خلق بيئة عمل جديدة تركز على الابتكار والتكنولوجيا، يمكننا أن نعيد الأمل للشباب السوري، ونعطيهم فرصة لبناء مستقبلهم في وطنهم بدلاً من البحث عن الهجرة كخيار وحيد.
عودة روّاد الأعمال إلى سوريا: بين الرغبة في البناء والتحديات الإدارية
السوريون الذين نجحوا في الخارج لديهم الآن رغبة حقيقية في العودة بعد سقوط الطاغية، ليس فقط بدافع الحنين، بل لأنهم يؤمنون بأن سوريا تستحق أن تُبنى بأيدي أبنائها.
على عهد النظام البائد، كان هناك الكثير من البيروقراطية الهزلية خاصة على المستوى الإداري، فبينما كان الكل يسمع الكثير من الخطابات الرسمية على عهد المخلوع التي تدعو إلى الاستثمار، نجد في المقابل أن هناك عراقيل تجعل الاستثمارات أصعب مما يجب أن تكون.
إحدى أبرز المشاكل السابقة غياب الشفافية في منح المناقصات والعقود الحكومية. العديد من المشاريع يتم منحها دون إعلان رسمي، سواء في قطاع الطاقة، أو البرمجة، أو إعادة الإعمار، مما يثير تساؤلات حول آلية الاختيار والمعايير التي سيتم اعتمادها من قبل الحكومة الجديدة.
هل سيتم تغيير السياسات القديمة؟
تحدث رجل أعمال، قائلاً: “نحن كسوريين في الخارج نريد العودة و الاستثمار، لكن عندما نرى أن السياسات القديمة قد تغيرت، و نشعر أن بقايا النظام السابق قد اقتلعت بالكامل”.
بالإضافة إلى ذلك، و سأتحدث عن قطاع عملي فقط، فإن أصحاب المشاريع الرقمية يواجهون عقبات إدارية غير مبررة، حيث مازالت وزارة للاتصالات تستخدم قيوداً تعيق الشركات التقنية و مشاريعها التقنية، قيوداً كانت تُفرض على عهد النظام المخلوع فقط من أجل إعاقة أي مشروع يمكن أن ينافس استثماراتهم، لربما من أجل فرض “أتاوة” أو من أجل مشاركة صاحب المشروع بالقوة و الإكراه كما كان شائعاً.
ما هو المطلوب؟
يجب الآن تغيير هذه السياسات و مساعدة هذه الاستثمارات وتشجيعها، مما سيعكس تناغماً واضحاً بين الحاجة إلى استقطاب الاستثمارات، وبين الإجراءات التي ستُسهل ذلك.
ما يطالب به رجال الأعمال ليس دعماً مادياً أو امتيازات خاصة، بل بيئة عمل واضحة وشفافة، تسمح لهم بالاستثمار بحرية وعدالة. يجب أن يكون هناك نظام واضح لمنح المناقصات، يتم فيه الإعلان عن كل مشروع بشكل رسمي، وتتم المنافسة عليه بشكل مفتوح ونزيه، بعيداً عن أي محسوبيات.
كما يجب إنشاء جهة حكومية مسؤولة عن تسهيل عودة المستثمرين السوريين في الخارج، بحيث يتمكنوا من تسجيل شركاتهم إلكترونياً، والبدء في إجراءات العودة تدريجياً، بدلاً من أن يكون الأمر مرتبطاً ببيروقراطية سابقة معقدة تعرقل تحركاتهم.
سوريا الجديدة لن تُبنى إلا بسواعد أبنائها
كل من أعرفهم من رجال الأعمال صرّحوا و قالوا:
نحن مستعدون للعودة، مستعدون لنقل خبراتنا واستثماراتنا إلى الداخل، لكننا بحاجة إلى إدارة تواكب هذه المرحلة، تفهم أن الاقتصاد يحتاج إلى التعاضد، وأن القرارات التي تُتخذ اليوم ستحدد شكل سوريا لعقود قادمة.
نحن بحاجة إلى إدارة تدرك أن الشفافية ليست رفاهية، بل ضرورة لبناء دولة عادلة تحترم كفاءة أبنائها بدلاً من أن تعيد إنتاج نفس السياسات التي دفعتهم للهجرة في المقام الأول.
إن كان هناك درس تعلمناه من السنوات الماضية، فهو أن سوريا لن تُبنى إلا بأيدي أبنائها، وأن رأس المال السوري يجب أن يعود للوطن بدلاً من أن يستمر في خدمة اقتصادات أخرى. لكن هذا لن يحدث إلا إذا كانت هناك ثقة حقيقية بأن المستقبل سيكون مختلفاً عن الماضي، وأن مرحلة الفساد والمحسوبية و بيروقراطية بيت الأسد قد انتهت فعلاً، وليس فقط في الخطابات الرسمية.
أحمد خليف
كاتب روائي و صحفي مستقل
عضو المركز السوري الاستشاري
خبير أمن سيبراني