من حظر شامل إلى انفتاح حذر: جوجل ترفع راية التغيير في المشهد الاقتصادي السوري

ودق-  تحليل اقتصادي

دمشق – في خطوة ذات دلالة اقتصادية عميقة، أعلنت شركة جوجل عن تحديث مرتقب لسياساتها الإعلانية، والذي يمثل نقطة تحول كبيرة بعد قرار الولايات المتحدة بإنهاء برنامج العقوبات الشامل المفروض على سوريا. هذا التغيير، الذي يدخل حيز التنفيذ في أغسطس 2025، ليس مجرد تحديث تقني، بل هو إشارة واضحة من أحد عمالقة التكنولوجيا العالميين إلى أن الأبواب الاقتصادية المغلقة أمام السوق السورية بدأت تُفتح تدريجياً.

لطالما مثّلت العقوبات الأمريكية، وخاصة تلك التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، جدارًا سميكًا عزل الاقتصاد السوري عن النظام المالي والتجاري العالمي. وقد عانى الأفراد والشركات على حد سواء من هذا الحصار الذي شلّ التعاملات المالية والمصرفية، ومنع وصول الخدمات التقنية الأساسية، بما فيها خدمات الإعلان والتسويق الرقمي التي أصبحت عصب التجارة الحديثة. كان استخدام منصات مثل “إعلانات جوجل” (Google Ads) أمرًا شبه مستحيل، مما حَجَمَ من قدرة الشركات المحلية على النمو والوصول إلى أسواق جديدة.

مع إعلان جوجل عن تحديث سياساتها المتعلقة بـ”المتطلبات القانونية” و”القيود الخاصة بالبلدان”، سيبدأ هذا الجدار في التصدع. ويُتوقع أن يترجم هذا التغيير إلى فرص حقيقية على أرض الواقع، حيث سيكون بإمكان المعلنين السوريين الوصول إلى قاعدة بيانات جوجل الضخمة لاستهداف جمهور أوسع، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام التجارة الإلكترونية والترويج للمنتجات والخدمات.

فرص جديدة لقطاعات متعطشة

يُشير التغيير إلى إمكانية إعادة ربط الاقتصاد السوري بالمنظومة العالمية، وهذا يمنح أصحاب الفرص في سوريا مساحة ثمينة للحركة:

١- القطاع المالي: بعد إزالة المصرف المركزي السوري من القائمة السوداء لمكتب OFAC، يمكن للبنوك الأمريكية والدولية استئناف تعاملاتها مع المؤسسات المالية السورية، مما يسهل تحويل الأموال ويسمح بالتعاملات المالية الدولية بشكل أكثر سلاسة.

٢- ريادة الأعمال الرقمية: سيستفيد أصحاب الشركات الناشئة ورواد الأعمال بشكل كبير. فبإمكانهم الآن الترويج لمشاريعهم بشكل احترافي، مما يجذب الاستثمارات ويسهم في خلق فرص عمل جديدة.

٣- التجارة والتصدير: سيكون بوسع التجار والمصدرين السوريين الترويج لمنتجاتهم على نطاق عالمي، مما يمنحهم دفعة قوية للوصول إلى أسواق جديدة وتجاوز الحواجز التجارية السابقة.

انفتاح حذر ومستقبل واعد

لكن، من الضروري الإشارة إلى أن رفع العقوبات ليس شاملاً بالكامل. فقد أبقت الإدارة الأمريكية على عقوبات محددة تستهدف أفرادًا وكيانات معينة لهم صلة بالنظام أو متورطين في أنشطة غير مشروعة، من خلال برنامج عقوبات جديد يسمى “برنامج العقوبات لتعزيز المساءلة عن الأسد والاستقرار الإقليمي” (PAARSS).

ومع ذلك، فإن خطوة عملاق التكنولوجيا مثل جوجل تُعد بمثابة بارقة أمل، وتؤكد على أن العالم الخارجي يراقب عن كثب ويستجيب للتغييرات السياسية التي قد تقود إلى الانفتاح الاقتصادي. وبينما يبقى الطريق نحو التعافي الاقتصادي الكامل طويلًا ومليئًا بالتحديات، فإن هذا التحديث يمثل خطوة أولى وحاسمة نحو عودة الحياة إلى شرايين الاقتصاد السوري، من خلال بوابة التكنولوجيا والخدمات الرقمية.

اترك تعليقا