
غزة على مفترق المصير: هدنة على طاولة المساومة بين الألم الفلسطيني والمكاسب الإسرائيلية
- ودق - Wadaq
- أبريل 29, 2025
- عربي
- 0 Comments
بين ركام المنازل المحترقة، وأنين الجرحى الذين لم يجدوا سريراً في المشافي الغارقة بالدماء، وبين صرخات الأمهات في مخيمات رفح التي صارت وجهة الموت اليومية، تُعقد جلسات سرّية في القاهرة بين أطراف متباعدة، تبحث عن اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في غزة. ورغم أن هذه الكلمات تكررت على مدار شهور الحرب الكارثية التي اجتاحت القطاع منذ أكتوبر 2023، فإن الساعات الماضية حملت إشارات لشيء مختلف، شيء وصفته وكالة رويترز بأنه “اختراق كبير”، وكأن العالم بعد كل هذه المجازر تذكّر أن غزة لا تزال تسكنها أرواحٌ بشرية.
المفاوضات الجارية، التي تشارك فيها مصر وقطر بجهود مكثفة، تحاول الوصول إلى صيغة تهدئة طويلة الأمد. لكن التعقيد في هذا الملف ليس وليد اللحظة، فكل بند يتم التداول حوله يحمل خلفه سنوات من الدم والانقسام والحصار. في المقابل، تواصل إسرائيل فرض شروطها القصوى، وعلى رأسها مطلبٌ يعكس جوهر صراعها مع حماس: نزع السلاح الكامل من المقاومة الفلسطينية. وهو ما تعتبره حماس مسّاً بجوهر وجودها، لا سيّما أن الحركة أعلنت صراحة أن السلاح هو ضمانتها الوحيدة في وجه من لا يلتزم بأي عهد أو ميثاق.
وبينما تقول مصادر مصرية إن حماس أبدت مرونة غير مسبوقة في ملف إطلاق سراح الرهائن، وأنها وافقت مبدئياً على إطلاق جميعهم إن تم إنهاء الحرب بشكل كامل، فإن إسرائيل، كعادتها، لا تزال تتعامل مع الملف من منطلق أمني صرف، وتطالب بالإفراج عن الرهائن دون تقديم التزام مقابل، ولا حتى هدنة مؤقتة. هذه المعادلة السياسية تعيدنا إلى المربع الأول: طرف يتحدث بلغة الحقوق، وآخر يتحدث بلغة القوة.
في هذه الأثناء، تعيش غزة أسوأ كارثة إنسانية في تاريخها. أكثر من 52 ألف قتيل، آلاف الأطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض، ومجاعة تُلوّح في الأفق بعد أن منعت إسرائيل إدخال أي مواد غذائية أو طبية إلى القطاع منذ أكثر من شهرين. كل هذه المشاهد لم تحرّك بعد ضمير ما يُسمى بالمجتمع الدولي، الذي يواصل توزيع الإدانات وإصدار “القلق العميق”، وكأن صرخات الأطفال في رفح لا تكفي لأن تُسجّل كجرائم إبادة جماعية.
لكن رغم كل شيء، يبدو أن بصيص أمل ما بدأ يتشكّل من خلال تلك المفاوضات غير المعلنة، وربما يكون هذا “الاختراق” الحقيقي ليس في ورقة الاتفاق ذاتها، بل في شعور الطرفين – ولو لحظياً – بأن هذه الحرب لا يمكن أن تستمر، لا من الناحية الأخلاقية، ولا السياسية، ولا الأمنية. لقد دخلت غزة في دائرة دمار لا يمكن لأي قوة في العالم أن تبرر استمرارها، ولا يمكن لأي خطاب سياسي أن يُقنع العالم أن موت 52 ألف إنسان ضرورة للدفاع عن النفس.
المرحلة القادمة ستكون حاسمة. فالطرف الذي يتنازل اليوم عن الدم سيكون هو القادر على بناء السلام الحقيقي غداً، بينما من يصرّ على رفع سقف المطالب فوق جثث الأطفال، فلن يجد في نهاية المطاف إلا العزلة الأخلاقية والسياسية، مهما امتلك من سلاح ومن حلفاء.