
عدسة يابانية توثقت روح البادية السورية
- ودق - Wadaq
- يونيو 27, 2025
- سوريا
- 0 Comments
ودق :27-06-2025
في زمنٍ تتسارع فيه الصور وتُختزل فيه الشعوب في عناوين الأخبار، اختارت المصورة اليابانية ميجومي يوشيتاكي أن تسير عكس التيار. بعدسةٍ صبورة وقلبٍ مفتوح، قضت 17 عامًا توثق حياة البدو في الصحراء السورية، لتُظهر للعالم وجهًا إنسانيًا دافئًا لسوريا، بعيدًا عن الحرب والسياسة.
بداية الحكاية: من طوكيو إلى تدمر
بدأت شرارة الشغف في عام 1980، حين كانت ميجومي في الخامسة عشرة من عمرها وشاهدت فيلم لورانس العرب. سحرها مشهد الصحراء، وبدأت تحلم بزيارة العالم العربي. تحقق الحلم عام 1987، عندما زارت سوريا لأول مرة وهي في الثانية والعشرين من عمرها، ضمن رحلة مع طلاب جامعيين يابانيين.
في تلك الرحلة، التقت بالدكتور جيرو أوريتا، الطبيب البيطري الياباني المقيم في حلب منذ أكثر من أربعة عقود. كان أوريتا مستشارًا في المركز الدولي للبحوث الزراعية (إيكاردا)، وساهم في تطوير تربية المواشي في سوريا. أصبح مرشدها الأول، وعرّفها على الثقافة السورية والبادية.
العيش مع البدو: تجربة إنسانية عميقة (1995–2011)
من عام 1995 وحتى 2011، خصصت ميجومي جزءًا من كل عام للإقامة مع عائلة بدوية في منطقة سوبا قرب تدمر. عاشت كما يعيشون: تنام على الأرض، تشرب القهوة حول النار، وتشارك الأطفال ألعابهم. تقول:
“في البداية، كانت الأيام العشرة الأولى صعبة جدًا. لكنني سرعان ما أدركت أنني وقعت في حب الصحراء.”
في عام 2001، اختارت سوريا لتكون وجهة شهر العسل، وفي 2004 عادت مع زوجها وابنها البالغ من العمر 16 شهرًا، لتؤسس تقليدًا عائليًا للزيارات السنوية.
العدسة التي تتحدث بلا كلمات
رغم أنها لا تتحدث العربية أو الإنجليزية، استطاعت ميجومي أن تتواصل من خلال الصور. صنعت قاموسًا بسيطًا من كلمات مثل “ماء”، لكن الأهم كان قدرتها على التقاط المشاعر والقصص بعدستها. تقول:
“الصور تتجاوز اللغة. يمكنها أن تلمس القلب مباشرة.”
الكتاب والمعارض: أرشيف البادية الحيّ
وثّقت تجربتها في كتاب مصوّر بعنوان “عرب الصحراء السورية: قصة عائلة”، نُشر عن دار “سكيرا” الإيطالية. عُرضت أعمالها في معارض دولية في لندن، جنيف، نيويورك، دبي، بكين، كولونيا، وأكسفورد، ولاقت صدى واسعًا لدى الجمهور الغربي الذي رأى سوريا من منظور إنساني لأول مرة.
موقفها من الصراع السوري: الفن كجسر إنساني
مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، توقفت زياراتها، لكنها لم تتوقف عن الحديث عن سوريا. رفضت اختزال البلاد في مشاهد الحرب، وواصلت إلقاء المحاضرات والمشاركة في المعارض، مركّزة على الوجه الإنساني والثقافي للشعب السوري.
تقول:
“الشعب السوري هو الكنز الحقيقي لسوريا. كرمهم وروحهم العائلية ألهمتني، وأردت أن أُظهر ذلك للعالم.”
معرض لندن 2024: تكريم متجدد
في مايو 2024، نظّمت السورية رغد مرديني من معرض “لايت هاوس” في لندن معرضًا خاصًا لأعمال ميجومي، بعنوان “رحلة عبر العدسة”. قدّمت فيه صورًا التقطتها على مدى 17 عامًا، لتكون شهادة بصرية على ثقافة مهددة بالاندثار.
استمرار الرسالة رغم الغياب
حتى اليوم، لا تزال ميجومي تكرّس وقتها لنقل صورة مختلفة عن سوريا. في مقابلة حديثة، قالت:
“أشعر أنني مدينة لسوريا. لقد منحتني أكثر مما أعطيتها. وأتمنى أن يرى العالم ما رأيته: دفء، كرامة، وإنسانية.”
الصورة التي تتجاوز الحدود
من خلال عدستها، لم توثق ميجومي يوشيتاكي حياة البدو فحسب، بل خلّدت روحًا إنسانية تتحدى الزمن والسياسة. عملها ليس فقط أرشيفًا بصريًا، بل جسرًا ثقافيًا يربط بين اليابان وسوريا، بين الشرق والغرب، بين الإنسان والإنسان.