عام على الحرية: معركة سورية الحاسمة ضد الفساد وشبكات المخدرات
- ودق - Wadaq
- ديسمبر 8, 2025
- اقتصاد
- اقتصاد سوريا, عام من الحرية
- 0 Comments
قراءة في تفكيك إرث اقتصاد الحرب وإعادة بناء دولة القانون
بعد عام واحد فقط على سقوط النظام السوري السابق، تبدو معركة مكافحة الفساد والحد من تجارة المخدرات واحدة من أكثر ملفات الإصلاح حساسية وأهمية. فالاقتصاد الذي ورثته الحكومة الجديدة لم يكن مجرد اقتصاد منهك، بل كان اقتصاداً مثقلاً بشبكات نفوذ متغولة في مؤسسات الدولة، وسوقاً سوداء متشعبة، ودوائر مالية رمادية تحكّمت لعقود في تدفقات المال العام. وبينما انشغل العالم بمآلات الثورة وبداية مرحلة سياسية جديدة، كان على الحكومة الانتقالية أن تواجه حقيقة اقتصادية أعمق: أن الفساد لم يكن ظاهرة جانبية، بل كان هو النظام نفسه.
وفي هذا السياق، أطلقت حكومة الرئيس أحمد الشرع واحدة من أوسع عمليات التدقيق والمراجعة المالية في تاريخ الدولة السورية الحديث، كاشفة عن حجم الممارسات التي أرَّقت الاقتصاد السوري وحرمت الخزينة العامة من مليارات الدولارات.
فساد ما قبل السقوط: منظومة صنعت اقتصاداً موازياً
يرى محللون اقتصاديون أن الفساد في الحقبة السابقة لم يكن مجرد حالات فردية، بل هيكلية قائمة على شبكات من كبار المتنفذين ودوائر اقتصادية متشابكة كانت تتحكم بالعقود الحكومية، وعمليات الاستيراد والتصدير، والمشاريع الاستثمارية، والمصارف، وشركات الاتصالات والبناء والطاقة.
وبحسب مصادر حكومية، فإن التدقيقات الأولية كشفت أن:
جزءاً كبيراً من موارد الدولة لم يدخل إلى الخزينة فعلياً.
العديد من مؤسسات الدولة كانت تعمل عبر “مراكز قوة” موازية.
الاقتصاد السوري كان يدفع سنوياً ثمن الفساد بما يعادل نسباً ضخمة من الناتج المحلي.
وتشير التقارير إلى أن المنظومة السابقة بنت شبكة اقتصادية مغلقة ترسّخت عبر عشرات السنين، بدءاً من دوائر مالية تتولى التهريب والاحتكار، وصولاً إلى واجهات اقتصادية رسمية كانت تخفي تدفقات مالية خارج الرقابة الحكومية.
ومع بداية العام الأول من الحكم الجديد، بدأ تفكيك هذه الشبكات من خلال:
مراجعة العقود الحكومية.
فتح ملفات الاحتكار.
محاسبة موظفين وكيانات ضالعة في تحويل المال العام إلى مصالح خاصة.
إعادة هيكلة المؤسسات التي كانت تعمل كواجهات اقتصادية لنفوذ سابق.
اقتصاد المخدرات: إرث بالغ الخطورة
أحد الملفات الأكثر حساسية كان ملف تجارة المخدرات، التي تحولت في سنوات ما قبل السقوط إلى نشاط اقتصادي موازٍ متسع النطاق.
تقارير دولية موثوقة صنّفت البلاد — في ظل النظام السابق — كأحد أهم مناطق تصنيع وتصدير أقراص مخدرة إلى عدة دول عربية، عبر شبكات ضمت شخصيات نافذة وميليشيات مسلحة ودوائر أمنية.
وقد خلصت تقارير أممية وإقليمية إلى أن:
نشاط المخدرات كان يشكل مورداً مالياً ثابتاً لشبكات السلطة السابقة.
عمليات التصنيع كانت تتم في مناطق خاضعة لسيطرة مجموعات محمية سياسياً.
التهريب إلى دول عربية كان يتم عبر خطوط معروفة عبر الحدود البرية والبحرية.
اقتصاد المخدرات كان بحكم الأمر الواقع “صناعة” تدار من فوق، لا من تحت.
ومع انهيار النظام، أصبح الملف مفتوحاً لأول مرة أمام المساءلة.
الحكومة الجديدة، بالتعاون مع أجهزة الأمن الاقتصادي، أغلقت عشرات المواقع غير الشرعية، وبدأت ملاحقة المرتبطين بشبكات التهريب وفق القانون الجديد لمكافحة المخدرات.
لكن المسؤولين يشيرون إلى أن تفكيك إرث امتد لسنوات ليس مهمة آنية، بل عملية طويلة تتطلب تعاوناً إقليمياً واسعاً.
حكومة الشرع: تفكيك إرث عقود من الفساد المنظم
منذ اليوم الأول لتوليها السلطة، أعلنت حكومة الرئيس أحمد الشرع أنها بصدد خوض “معركة مؤسساتية” ضد الفساد.
ووفق مصادر رسمية، فقد أسفرت عمليات المراجعة المالية خلال أشهرها الأولى عن:
استرداد مبالغ كبيرة ناتجة عن فساد مالي وإداري.
تجميد أصول وممتلكات عائدة لكيانات ضالعة في اقتصاد الظل.
إلغاء عقود حكومية مخالفة للقانون وفتح تحقيقات بشأنها.
إعادة هيكلة بعض الوزارات بهدف إغلاق الثغرات الإدارية.
ويؤكد مسؤولون في الفريق الاقتصادي — الذي يضم شخصيات مثل وزير الاقتصاد والصناعة، وزير المالية، وحاكم المصرف المركزي — أن:
“مكافحة الفساد لم تعد قضية سياسية، بل حجر الأساس في إعادة بناء الاقتصاد السوري”.
إذ لا يمكن للاقتصاد الجديد أن يستقر دون استعادة الثقة العامة، وتحويل مؤسسات الدولة من “مصادر نفوذ” إلى “مراكز خدمة”.
الانتقال الاقتصادي: بين إزالة الماضي وبناء المستقبل
إن مكافحة الفساد ليست هدفاً بحد ذاته، بل شرط أساسي لنجاح:
جذب الاستثمارات الأجنبية ،إعادة الإعمار ،إصلاح سوق العمل ،استعادة استقرار سعر الصرف ،بناء مؤسسات دولة قوية تخضع للمساءلة
وتُجمع المؤسسات الدولية على أن الدول الخارجة من صراعات طويلة تحتاج إلى:
1. عدالة انتقالية مالية
2. حكومة قادرة على السيطرة على مواردها
3. إغلاق اقتصاد الظل
4. تفكيك شبكات النفوذ السابقة
5. تحصين الجهاز الإداري بقوانين جديدة
وبهذا المعنى، فإن ما يجري في سورية اليوم ليس مجرد “حملة”، بل تحول اقتصادي عميق يعيد تعريف علاقة الدولة بالمال العام.
معركة المخدرات: بعد الأمن… الاقتصاد
الحكومة الجديدة تدرك أن مكافحة المخدرات ليست مسألة أمنية فقط، بل قضية اقتصادية — لأنها:
تضر بصورة البلاد الخارجية ،تعيق التعاون الإقليمي ،تمنع تدفق الاستثمارات ،تسمح ببقاء اقتصاد ظل موازٍ ،تشكل تهديداً للمجتمع وأمنه الداخلي
ولذلك، فإن خططها اعتمدت:
ملاحقة شبكات التهريب ، إغلاق معامل غير شرعية ،التعاون مع دول عربية متضررة ،منع الميليشيات من تحويل مناطق نفوذها إلى مراكز نشاط اقتصادي غير شرعي
وهي خطوات ضرورية لتثبيت اقتصاد شفاف قابل للنمو.
عام أول في معركة طويلة
بعد عام على سقوط النظام، تبدو سورية وكأنها تخوض حربها الثانية — حرب على الفساد، وعلى اقتصاد المخدرات، وعلى إرث ثقيل شكل لعقود أحد أهم مصادر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
ومع أن الطريق لا يزال طويلاً، إلا أن:
فتح الملفات ،استعادة الأموال ،تفكيك شبكات النفوذ ،بناء مؤسسات جديدة ،صياغة قوانين صارمة ،وإعادة هيكلة القطاعات الأمنية والاقتصادية
كل ذلك يعكس تحولاً لم يكن ممكناً في ظل النظام السابق.
الاقتصاد السوري اليوم يقف على بداية طريق جديد — طريق الحرية الاقتصادية، والحوكمة، والشفافية، وبناء الدولة المدنية.
وإذا نجحت الحكومة في المضي بهذه الإصلاحات حتى النهاية، فإن البلاد ستكون أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصاد نظيف، قادر على النمو، ومرتبط بإرادة شعب دفع ثمن التغيير من دمائه ومستقبله.
