ظهور مثير للجدل لوزير الثقافة السوري في دير الزور يفتح باب الأسئلة حول عودة شخصيات مرتبطة بإيران

في زيارة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر وزير الثقافة السوري، محمد صالح، في مضافة فرحان المرسومي، وهو أحد الأسماء المثيرة للجدل في محافظة دير الزور، لما يُنسب إليه من ارتباطات بملفات أمنية وعلاقات وثيقة مع جهات إقليمية. هذه الزيارة، التي قُدمت إعلامياً بأنها ذات طابع اجتماعي، جاءت في ظرف سياسي وأمني حساس، مما أعاد إلى الواجهة النقاش حول دور الرموز العشائرية في المشهد العام، وسبل ضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع المحلي.

رافق الوزير في هذه الزيارة كل من جمال الشرع، شقيق الرئيس، وسيف أبو بكر، قائد الفرقة 76 في الجيش السوري، الأمر الذي أثار استغراباً لدى بعض الفاعلين المحليين. غير أن رئاسة الجمهورية أصدرت لاحقاً بياناً أكدت فيه بشكل واضح أن جمال الشرع لا يشغل أي صفة وظيفية في مؤسسات الدولة ولا يملك أية امتيازات رسمية، مشددة على ضرورة عدم الخلط بين القرابة الشخصية والمواقع الرسمية.

أما وزير الثقافة محمد صالح، فقد أصدر بدوره توضيحاً رسمياً أشار فيه إلى أنه كان يجهل الخلفيات المرتبطة بفرحان المرسومي، وأنه حضر المناسبة بدعوة عامة ذات طابع اجتماعي، مبدياً أسفه واعتذاره عن حضوره، ومؤكداً حرصه على عدم تكرار مثل هذه المواقف مستقبلاً.

الحدث لم يمر مرور الكرام، إذ تداولت منصات التواصل صور اللقاء وانتشرت تعليقات وتحليلات تساءلت عن خلفيات هذه الزيارة، ومدى انسجامها مع توجهات الحكومة السورية الجديدة في إعادة بناء جسور الثقة بين الدولة والمجتمع، خاصة مع المكون العشائري، الذي ظل على مدار السنوات الماضية طرفاً محورياً في المعادلة الوطنية.

من بين الشخصيات التي ذُكرت في سياق الحدث، برز اسم الشيخ عبد المنعم ناصيف، رئيس مجلس القبائل والعشائر في سوريا، حيث أشارت مصادر محلية إلى أنه قد يكون لعب دور الوسيط في تنسيق الدعوة، رغم عدم وجود تأكيد رسمي لذلك. وجوده الشخصي في المناسبة إلى جانب المرسومي، دون تقديم تفسير أو توضيح، أثار بدوره تساؤلات إضافية، خصوصاً في الأوساط العشائرية التي تتابع عن كثب مسار التحول الجاري في البلاد.

فرحان المرسومي، وفق ما تشير إليه مصادر محلية، حاول في وقت سابق تسوية وضعه القانوني عبر تقديم مبالغ مالية كبيرة، غير أن الجهات القضائية في المحافظة رفضت ذلك، وأصرت على مثوله أمام القضاء ضمن الأطر القانونية. وبالتالي، فإن ظهوره في هذه المناسبة وبهذا الشكل أعاد طرح تساؤلات حول مدى جدية الدولة في الالتزام بمسار العدالة والمساءلة.

رغم محاولات بعض الأصوات التقليل من أهمية الحدث باعتباره اجتماعاً عادياً، فإن هذه الزيارة فتحت الباب واسعاً للنقاش حول كيفية التعامل مع الملفات العالقة المرتبطة ببعض الشخصيات العامة، ومدى إمكانية إعادة دمجها في الحياة العامة دون مسار واضح من المساءلة. في المقابل، عبّر ناشطون عن قلقهم من محاولات تجري تحت الطاولة لإعادة تقديم وجوه مرتبطة بملفات مثيرة للجدل، سواء في صفوف المعارضة أو داخل المجتمع الأهلي.

هذا النقاش يعكس عمق التحديات التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة في سعيها لبناء علاقة متينة وشفافة مع المجتمع المحلي، قائمة على أسس القانون والعدالة الانتقالية، لا على المجاملات أو التوازنات التقليدية. ويرى مراقبون أن هذه الواقعة تشكل اختباراً حقيقياً لجدية الإصلاح المؤسسي، وتستلزم من الدولة إظهار التزام عملي بمبادئ الشفافية والمحاسبة، ليس فقط على الورق، بل من خلال مواقف ملموسة تعيد ثقة السوريين بمؤسساتهم.

تبقى مثل هذه الأحداث مؤشراً مهماً على حساسية المرحلة وتعدد الأطراف الفاعلة فيها، ما يستدعي قراءة عميقة للواقع المحلي، وإعادة ضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة تنحاز إلى التغيير، وتحترم الدماء والتضحيات التي بُذلت من أجل سوريا أكثر عدلاً وشفافية.

اترك تعليقا