
سوريا و اتفاقية إبراهام: بين الواقع السياسي وضرورات المصالح القومية
- ودق - Wadaq
- أبريل 27, 2025
- مقالات
- 0 Comments
مع تصاعد الحديث حول احتمالية انضمام سوريا إلى اتفاقية إبراهام، يطرح هذا الملف إشكالات معقدة تتعلق بالسيادة الوطنية، والمصالح القومية، والتوازنات الإقليمية، وطبيعة النظام الدولي القائم. هذا الموضوع لا يمكن تناوله بعاطفية أو من منطلقات أيديولوجية فقط، بل يحتاج إلى قراءة معمقة لمجمل المعادلات الجيوسياسية، ولأوراق الضغط الموضوعة على الطاولة.
ما هي دوافع هذا الطرح؟
وهل هو مرتبط برفع العقوبات الدولية عن سوريا؟
وما حجم تأثير القوى الإقليمية والدولية في فرض هذا المسار؟
ثم كيف يمكن قياس موقع العرب وإسرائيل في ميزان القوة بعيداً عن الانفعالات؟
هذه الأسئلة وغيرها تتطلب نقاشاً هادئاً وعميقاً لاستكشاف المستقبل السياسي للمنطقة.
الحديث عن انضمام سوريا إلى اتفاقية إبراهام، التي وقعت عليها دول خليجية مثل الإمارات والبحرين إلى جانب المغرب والسودان، ليس محض خيال سياسي، بل أصبح سيناريو مطروحاً نتيجة تغيرات ميدانية وجيوسياسية.
لكن السؤال الأساسي:
ما الذي قد يدفع دمشق لاتخاذ خطوة بهذه الحساسية؟
وهل يرتبط ذلك بتخفيف العقوبات الدولية التي تخنق الاقتصاد السوري منذ سنوات؟
هذا ما تشير إليه العديد من المؤشرات الدبلوماسية، حيث يرى مراقبون أن تخفيف العقوبات، خاصة الأميركية والأوروبية، قد يكون مشروطاً بخطوات سياسية جوهرية، من بينها الانخراط في عملية تطبيع شاملة مع إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو عبر وسيط.
إن اتفاقية إبراهام ليست مجرد تفاهمات سياسية بين دول عربية وإسرائيل، بل هي جزء من استراتيجية أوسع للولايات المتحدة وإسرائيل، تهدف إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، وتقليل نفوذ بعض الأطراف الإقليمية مثل إيران وتركيا، وفي هذا السياق، فإن رفع العقوبات عن سوريا يصبح جزءاً من صفقة أوسع، تتضمن إعادة دمجها في النظام الإقليمي الجديد، ولكن بثمن سياسي قد يشمل تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
أوراق الضغط المستخدمة على سوريا متعددة، ومن أبرزها ملف العقوبات الاقتصادية التي تشل القطاعات الحيوية في البلاد. كما يُضاف إلى ذلك ملف الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركياً، والتي تسيطر على مساحات واسعة من الشمال الشرقي السوري، ما يشكل ورقة ضغط أمنية وسياسية على دمشق، في المقابل، هناك ملف الدروز في الجنوب السوري، الذين يتلقون دعماً إسرائيلياً غير مباشر عبر قنوات إنسانية وسياسية، و الاجتياح الإسرائيلي لبعض الأراضي السورية مؤخراً، ما يزيد من تعقيد المشهد الداخلي السوري، ويمنح تل أبيب نقاط تماس مباشرة مع الداخل السوري.
هذه الملفات المتشابكة ليست سوى أدوات لإعادة تشكيل مواقف النظام السوري. فهل ستقبل الحكومة السورية الجديدة، بقيادة السيد أحمد الشرع، السير في هذا المسار؟
وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى اعتبارها خائنة للمبادئ القومية العربية؟ هنا تبرز معضلة الهوية الوطنية السورية بين الواقعية السياسية والمبادئ الأيديولوجية.
المسألة تتجاوز الشعارات، فإسرائيل ليست فقط قوة عسكرية قائمة بذاتها، بل تقف خلفها منظومة من التحالفات الاقتصادية والعسكرية الدولية، أبرزها الولايات المتحدة، والقوى الغربية الكبرى، هذه الحقيقة تضع أي دولة عربية، بما فيها سوريا، أمام تحدٍ موضوعي:
هل تستطيع مواجهة هذا الكيان ومن يدعمه بمفردها أو حتى ضمن تحالف عربي هش وغير متماسك؟
بمنطق المصالح، لا توجد دولة تدخل في صراع مفتوح مع قوى كبرى دون أن تدفع ثمناً باهظاً، وهذا ما يعكسه تاريخ النزاعات في المنطقة منذ منتصف القرن العشرين.
الطرح الواقعي يتطلب الاعتراف بأن ميزان القوى يميل لصالح إسرائيل، ليس فقط بفعل قدراتها الذاتية، بل بفضل الدعم الدولي غير المحدود الذي تتلقاه، شاء من شاء و أبى من أبى.
أمّا العرب ككتلة سياسية واقتصادية وعسكرية لم يستطيعوا، حتى اليوم، أن يقدموا نموذجاً موحداً قادراً على موازنة هذا النفوذ، ما تزال الانقسامات العربية، والصراعات الداخلية، والتبعية للخارج، تحدّ من قدرتهم على تشكيل جبهة موحدة، وهذا ما يجعل سيناريوهات التطبيع في بعض الدول خياراً قابلاً للتنفيذ ضمن حسابات الربح والخسارة.
لكن، هل هذا يعني أن سوريا ملزمة بالسير في هذا المسار؟
الأمر يعتمد على رؤية القيادة الجديدة لمستقبل البلاد، وعلى قدرتها على المناورة بين القوى الكبرى، إذا استطاعت دمشق أن تخلق معادلة داخلية متماسكة تستند إلى التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي، والقدرة على فرض السيادة في كامل الأراضي السورية، فقد يكون بوسعها التفاوض من موقع أقوى، وربما تقديم بدائل أخرى، أما إذا بقيت تحت ضغط الأزمات الاقتصادية، والمهددات الأمنية في الداخل، و خصوصاً بأن سوريا هي دولة خرجت من صراعات حديثة و منهكة منذ ما يزيد عن اثنا عشر عاماً، لهذا فإن خياراتها ستكون محدودة، وستضطر للتعاطي مع العروض المطروحة على الطاولة، وأبرزها اتفاقية ابراهام كمدخل لفك الحصار.
الحديث عن الخيانة في هذا السياق يحتاج إلى مراجعة للمفاهيم، في السياسة الدولية، كل دولة تبحث عن مصالحها وفق ميزان القوى القائم، إذا كان خيار الانضمام إلى اتفاقية ابراهام سيؤدي إلى رفع العقوبات، وتحقيق انتعاش اقتصادي، وضمان استقرار سياسي، فقد يرى البعض أنه خطوة عقلانية، أما الآخرون، فسيعتبرونه تنازلاً عن المبادئ، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والجولان السوري المحتل.
في النهاية، يبقى الملف مفتوحاً على عدة احتمالات، ويبقى القرار في يد القيادة السورية الجديدة، هي التي ستختار بين الإبقاء على ثوابت الصراع العربي الإسرائيلي، أو الانخراط في النظام الإقليمي الجديد الذي ترعاه واشنطن وتل أبيب. ولكل خيار ثمنه، وتبعاته، ومنافعه.
رأيي الشخصي و لا يمثل رأي الشبكة، أحمد الخليف