سوريا في عين العاصفة: بين مطرقة النفوذ الإيراني وسندان الضربات الإسرائيلية

دمشق:15/06/2025
تحليل سياسي – خاص
تشهد سوريا اليوم واحدة من أخطر مراحلها منذ اندلاع النزاع قبل أكثر من عقد، ليس بفعل المواجهات الداخلية أو انهيار الدولة فحسب، بل بسبب تحوّلها إلى ميدان لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية كبرى، على رأسها إيران وإسرائيل. ومع كل غارة جوية أو هجوم صاروخي، تتضح أكثر فأكثر معالم صراعٍ يتجاوز حدود سوريا بكثير، لكنه يدفع ثمنه السوريون وحدهم.
إيران: الحضور العميق في الجغرافيا السورية
منذ سنوات، كرّست طهران وجودها في سوريا كجزء من استراتيجيتها الأمنية الإقليمية. أنشأت قواعد عسكرية، ومراكز تدريب، وشبكات لوجستية تغذي حلفاءها من حزب الله في لبنان، وصولاً إلى فصائل في غزة والعراق. هذا الحضور لم يعد خفيًا، بل أصبح جزءًا من مشهد الحرب المستمرة في سوريا، حيث بات يُنظر إلى الوجود الإيراني كمهدد فعلي لتوازن القوى في المنطقة.
إسرائيل: استراتيجية “الضربات الوقائية”
في المقابل، تعتمد إسرائيل سياسة الردع الاستباقي. فكلما توفرت لديها معلومات عن تحركات إيرانية في العمق السوري، تسارع إلى تنفيذ غارات جوية مركزة. من مصياف إلى دمشق، ومن دير الزور إلى السويداء، لا تكاد تمرّ أشهر دون أن تعلن إسرائيل استهداف مواقع تصفها بـ”المرتبطة بإيران”. أحدث هذه الضربات في ديسمبر 2024 دمّرت منشآت حساسة يُعتقد أنها ضمن مشروع تطوير صواريخ متقدمة، وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى، معظمهم من عناصر غير سوريين.
سوريا الرسمية: صمت العاجز أم حسابات مركبة؟
النظام السوري يتعامل مع هذا التصعيد بحذر شديد. من جهة، لا يملك القدرات الكافية لمواجهة الطيران الإسرائيلي. ومن جهة أخرى، يحاول الحفاظ على علاقاته الوثيقة مع طهران، التي تشكل له شريان دعم سياسي وعسكري واقتصادي. لكن استمرار هذا التوازن الدقيق يُبقي دمشق في موقع الطرف الضعيف، العاجز عن منع استخدام أراضيه كساحة صراع بين حلفائه وخصومهم.
الضحية الدائمة: المواطن السوري
كل ضربة إسرائيلية لا تمر دون أثر على الأرض: منازل تُدمَّر، مدنيون يُقتَلون، عائلات تنزح. ومنذ نهاية 2024، تصاعدت موجات النزوح الداخلي بشكل لافت، وسط تدهور غير مسبوق في الخدمات الصحية والغذائية، خصوصًا في مناطق الوسط والجنوب. الوضع الإنساني في سوريا لا يقتصر على نتائج الحرب الأهلية، بل أصبح مرآةً لصراع القوى الدولية والإقليمية فوق أرضٍ منهكة.
الاحتمالات المستقبلية: إلى أين يتجه التصعيد؟
تبدو كل المؤشرات الراهنة قاتمة. فإسرائيل عازمة على منع إيران من ترسيخ وجودها العسكري، وطهران ترفض الانسحاب أو التراجع، معتبرة سوريا “عمقًا استراتيجيًا” لا يمكن التفريط فيه. ومع تراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري وتشرذم الداخل، تزداد احتمالية أن تتحول سوريا إلى “أوكرانيا الشرق الأوسط”، ساحة مفتوحة لصراع طويل الأمد بين أقطاب لا يربطهم شيء سوى العداء المشترك.
ختاما بين الحياد المستحيل والانحياز القاتل
إن استمرار الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأراضي السورية لا يهدد فقط استقرار سوريا، بل ينسف أي محاولة لإعادة الإعمار أو تحقيق انتقال سياسي. فبقاء سوريا ساحةً لتصفية الحسابات الخارجية يعني بقاء شعبها في دائرة الخطر، بلا أفق واضح، ولا سلام قريب.

الكاتب والصحفي : عبدالله الأحمد

اترك تعليقا