
رحيل الباحث الأثري محمد العزو “أبو آثار”.. حارس ذاكرة الرقة يودّع مدينته
- ودق - Wadaq
- يونيو 7, 2025
- سوريا
- 0 Comments
الرقة – ودق
فقدت مدينة الرقة، اليوم الخميس 6 حزيران/يونيو 2025، واحداً من أبرز أبنائها وأكثرهم وفاءً لتراثها، برحيل الباحث الأثري محمد عبد الله العزو، المعروف بـ”أبو آثار”، عن عمر ناهز 75 عاماً، بعد مسيرة حافلة بالعطاء في خدمة تاريخ الفرات، والبحث في حضاراته، والدفاع عن هويته الثقافية.
ولد العزو عام 1950 في قرية شنينة بريف الرقة الشمالي، وكرّس حياته منذ شبابه لدراسة الآثار، ساعيًا إلى فهم أسرار الأرض التي أنجبته. بعد دراسته في الرقة، سافر إلى تشيكوسلوفاكيا، ونال شهادة الماجستير من جامعة تشارلز الرابع عام 1979، عن بحثه حول “الآثار والفنون الجميلة في سوريا خلال العصر الكلاسيكي”، الذي شكّل الأساس لمسيرته البحثية.
بين الرقة والرياض.. ومسيرة أكاديمية حافلة
عاد العزو إلى سوريا ليشغل عدة مناصب في دائرة آثار الرقة، قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل محاضرًا في قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود. وفي عام 1987، عاد إلى مسقط رأسه، ليتسلم إدارة متحف الرقة الوطني، في وقت كانت المدينة تستعيد نشاطها العلمي والثقافي.
شارك العزو في قيادة وتنظيم بعثات أثرية عدة، منها التنقيب في “التل الأسود”، كما عمل مع فرق دولية لكشف المواقع الأثرية المنسية في الفرات الأوسط، ودوّن في دراساته كثيراً من أسرار المنطقة التي شهدت حضارات تمتد لآلاف السنين.
شخصية ثقافية جامعة
لم يكن محمد العزو مجرد باحث في الحقول، بل كان شخصية ثقافية نشطة في الحياة العامة. أسّس فرع جمعية العاديات في الرقة، وانتُخب رئيساً لها عام 2006، حيث نظم عشرات المحاضرات والندوات، وساهم في تكريم رموز المدينة، مؤمنًا أن الهوية الحقيقية تُبنى بالمعرفة واحترام التاريخ.
كتب العزو عن حضارة الفرات، والمأكولات الشعبية في العصر العباسي، ومسؤولية حماية المكتشفات الأثرية. كما كان من أوائل الداعمين لفريق “أصدقاء المتحف”، مسخّرًا خبرته وعلاقاته من أجل إعادة ربط الناس بمتحفهم، وماضيهم، وذاكرتهم الجماعية.
الصوت الذي لم يصمت
خلال سنوات الحرب، لم يقف العزو صامتًا أمام ما حلّ بتراث الرقة من دمار ونهب. خرج إلى المنصات الثقافية ليتحدث عن حجم الخسارة، محذرًا من خطر ضياع الذاكرة التاريخية للمنطقة. كان صوته شجاعًا في وجه الخراب، حريصًا على أن لا تُمحى آثار حضارات بأكملها بسبب الصراعات.
إرث لا يُنسى
برحيله، تفقد الرقة اليوم وجهًا من وجوهها الأصيلة، باحثًا ظلّ وفيًا لرسالته حتى الرمق الأخير، مؤمنًا أن لكل حجر قصة، ولكل نقش معنى. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة كل من عرفه، وقرأ أعماله، وعاش شغفه بهذه المدينة التي أحبها حتى النهاية.
وداعاً “أبو آثار”.. ستظل آثارك شاهدة على حياة أفنيتها في حب الفرات وتاريخه.