تعاون أمني سعودي–سوري يعيد ضبط الإيقاع في الحرب على المخدرات

في تحول لافت على صعيد العلاقات الإقليمية، تتعزز يومًا بعد يوم ملامح التعاون الأمني والاستخباراتي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية، والذي بات يثمر نتائج ملموسة خاصة في ملف مكافحة تهريب المخدرات، أحد أخطر التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة.

عمليات مشتركة ونتائج فعّالة:

ففي الأشهر الأخيرة، تمكنت الأجهزة المعنية، بفضل تنسيق أمني عالي المستوى بين البلدين، من إحباط محاولات تهريب وصفت بـ”الضخمة”، شملت مئات الآلاف من المواد المخدرة، كانت في طريقها إلى عبور الحدود في عمليات تنفذها شبكات إجرامية منظمة. وتشير مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في الرياض إلى أن هذا التعاون يأتي في إطار شراكة أمنية “متقدمة”، تسعى لاحتواء أخطار المخدرات وتفكيك شبكات التهريب العابرة للحدود.

وتقول إحدى الصفحات المقربة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على منصات التواصل الاجتماعي:

“تعاون استخباراتي وأمني بين السعودية وسوريا يحبط تهريب مئات آلاف الأطنان من المخدرات.”
وهو تصريح يعكس زخمًا سياسيًا وأمنيًا جديدًا في العلاقات بين العاصمتين، بعد سنوات من الفتور.

زيارات رفيعة واتفاقيات رسمية:

ويأتي هذا التعاون الأمني في إطار انفتاح سياسي حذر ومدروس بين البلدين، تُرجم من خلال زيارة وفد أمني سوري إلى الرياض في أبريل الماضي بدعوة من وزارة الداخلية السعودية، حيث تم الاطلاع على تجربة الأجهزة الأمنية السعودية، ولا سيما في تقنيات الرقابة والتحقيقات الجنائية.

كما قام وزير الداخلية السوري بزيارة رسمية إلى المملكة مطلع يونيو الجاري، التقى خلالها نظيره السعودي، وتم التوقيع على اتفاقية تعاون أمني موسعة، شملت مكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة، حماية الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى التنسيق المباشر في ملف مكافحة المخدرات.

أبعاد استراتيجية تتجاوز الأمن:

لا ينفصل هذا التعاون عن ديناميكيات إعادة التموضع الجيوسياسي في المنطقة، والتي تشهد تحركات متسارعة نحو إعادة بناء الثقة بين الدول العربية. ويبدو أن ملف الأمن، وخاصة مكافحة المخدرات، يمثل إحدى أولى الحلقات التي يتم اختبار التعاون فيها، كونه ملفًا تتقاطع فيه المصالح الإقليمية والمحلية.

وتشير التقديرات إلى أن السعودية تنظر إلى سوريا كشريك مهم في ضبط تدفقات المخدرات التي تشكل تهديدًا داخليًا وخارجيًا على السواء. في المقابل، تحتاج سوريا إلى دعم تقني ومعلوماتي من قوى إقليمية كبرى في سبيل تعزيز كفاءة أجهزتها الأمنية في مواجهة شبكات معقدة تستغل هشاشة الحدود.

في ظل الأزمات المركّبة التي تشهدها المنطقة، يبرز التعاون الأمني بين دمشق والرياض كخطوة واقعية براغماتية تستند إلى ضرورات مشتركة لا يمكن تجاهلها. وإذا ما كُتب لهذا التعاون أن يتوسع ويترسخ، فقد يشكل نموذجًا لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية الأمنية في استعادة الاستقرار الإقليمي.

اترك تعليقا