بيت شعر جاهلي في قمة الدوحة: أحمد الشرع يلوّح بردع العدوان بلغة التراث

#خاص ودق

قراءة في خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع

في قمة عربية إسلامية استثنائية احتضنتها الدوحة في أيلول/سبتمبر 2025 لمناقشة العدوان الإسرائيلي على قطر، أطلّ الرئيس السوري أحمد الشرع بخطاب لم يتجاوز خمسين ثانية، لكنه ترك أثراً تجاوز مدته الزمنية. فقد اختار الشرع أن يستشهد ببيت للشاعر الجاهلي عمر الهمداني يقول فيه:

«متى تجمعِ القلبَ الذكيَّ وصارماً **وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالمُ»،

ليحوّل كلماته القليلة إلى رسالة سياسية وأدبية مركبة، تمتد جذورها إلى الموروث العربي وتستهدف الحاضر بكل تعقيداته.

الخطاب المقتضب والرسالة المكثفة: خمسون ثانية حملت أكثر مما قيل

في عالم السياسة، لا يُقاس وزن الخطاب بعدد كلماته، بل بقدرة رسالته على إحداث الأثر. الشرع أدرك أن التكرار المعتاد للشجب والإدانة لم يعد يجدي، فاختصر حديثه في مشهد رمزي بليغ. خمسون ثانية تضمنت بيتاً واحداً من الشعر تحوّل إلى ما يشبه “كبسولة سياسية” مشحونة بالمعاني.

البيت حمل إشارة إلى ضرورة الموازنة بين العقل («القلب الذكي») والقوة («الصارم»)، مع الأنفة والكرامة («أنفاً حميّاً»). وهذا الجمع الثلاثي يكاد يشكّل معادلة استراتيجية لأي أمة تريد حماية نفسها: حكمة في القرار، سيف عند الحاجة، وكرامة لا تُساوَم. بذلك، بدا الشرع وكأنه يوجّه رسالة ردع مبطّنة: أن مواجهة العدوان لا تكون بالاستجداء، بل بالتكامل بين العقل والسلاح والإرادة.

من قلب الجاهلية: الشعر أداة سياسية لإحياء قيم القوة والكرامة

لم يكن اختيار بيت من العصر الجاهلي مصادفة. فالشعر الجاهلي لم يكن ترفاً لغوياً، بل كان وسيلة للتعبئة والتحريض وصياغة الوجدان الجمعي. والقصيدة التي ينتمي إليها هذا البيت تُعدّ من أروع ما كُتب في التعبئة الجماهيرية والتحشيد للمعارك، حيث تتوالى أبياتها داعيةً إلى ردّ الغزو بالغزو، ورفض الخنوع، وإبراز قيمة المجد والحسب والكرامة في مواجهة الظلم.

باستدعاء هذا الإرث، أراد الشرع أن يقول إن الموقف العربي في مواجهة العدوان ليس مجرد شأن سياسي آني، بل امتداد لقيم أصيلة في الوعي العربي. العودة إلى الجاهلية هنا لا تعني الانفلات من القانون الدولي أو منظومة الأمم المتحدة، بل استدعاء لمرحلة تاريخية كان فيها الصوت العربي صريحاً، والقوة جزءاً لا يتجزأ من الهوية.

بين التهديد والدعوة للتكاتف: كيف تُقرأ رسالة الشرع عربياً وإسلامياً؟

البعض قرأ في البيت تهديداً مباشراً، وكأن الرئيس السوري يلوّح باستخدام القوة إذا فُرضت عليه المواجهة. آخرون رأوا فيه دعوة صريحة للتكاتف العربي والإسلامي: فالمظالم لا تجتنب إلا إذا اجتمع «القلب الذكي» و«الصارم» و«الأنف الحميّ» في إطار جماعي.

هنا يبرز البعد السياسي الأعمق: الشرع لم يوجّه حديثه إلى إسرائيل فقط، بل إلى القادة العرب والمسلمين المجتمعين في القاعة. أراد أن يقول لهم: “العدوان على قطر اليوم قد يتكرر على غيرها غداً، والردع لا يتحقق إلا بالتحالف والتكافل. إن أردتم، فأنا حاضر معكم، وإن تقاعستم فستدفعون الثمن فرادى”. إنها صياغة بلاغية لوحدة المصير، بعبارة شعرية مفتوحة على احتمالات التهديد والتحريض.

خطاب الرئيس أحمد الشرع في قمة الدوحة لم يكن مجرد مشاركة بروتوكولية في حدث سياسي، بل كان استدعاءً لرمزية الشعر كوسيلة من وسائل القوة الناعمة، ورسالة ردع مغلفة ببلاغة تراثية. في أقل من دقيقة، وضع الرجل معادلة واضحة: لا أمن بلا عقل مدبّر، ولا كرامة بلا سيف صادق، ولا مكان للعرب إن لم يتكاتفوا في وجه العدوان.

بهذا، يمكن القول إن الشرع لم يلقِ خطاباً عادياً، بل أطلق صرخة من الماضي إلى الحاضر: أن العرب كانوا وما زالوا قادرين على صياغة مستقبلهم إن اجتمعوا، وأن قصيدة جاهلية لا تزال حتى اليوم قادرة على شحذ الهمم وتوحيد الصفوف، إذا وُجدت الإرادة السياسية.

اترك تعليقا