“النظام الضريبي الجديد في سوريا: وعود بالإصلاح بين تحديات الواقع ومخاوف المواطن”

ودق| اقتصاد

في خضم الجدل الذي أثارته دعوات وزير المالية السوري محمد يسر برنية لإصلاح ضريبي شامل، تبرز أمام الواقع صورة معقدة تجمع بين وعود كبيرة بإنصاف الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل، وبين تساؤلات حول المردود المالي الفعلي والتوازن بين الحوافز والإعفاءات. ما يلي مقالة تحليلية تعرض أبرز الأرقام، الشرائح المستفيدة، الأوعية الضريبية المقترحة، والتحديات التي قد تعترض التنفيذ.

خطوة جديدة نحو العدالة: الأرقام والشرائح المستفيدة

أشارت مصادر وزارة المالية إلى أن النظام الضريبي الجديد سيمنح إعفاءً ضريبياً للأفراد الذين يقل دخلهم السنوي عن 12 ألف دولار. هذا الإعفاء يعادل تقريباً دخلاً شهرياً يقل عن 1,000 دولار، وهو شريحتان أو أكثر من المتوقع أن تغطي أوسع فئات العمال والموظفين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط في سوريا، خاصة مع تضخم القوة الشرائية.

كما ألمح الوزير ومسؤولو المالية إلى أن الحد المعفى من ضريبة الدخل سيُحدَّد بـ 60 مليون ليرة سورية سنوياً، ما يعادل تقريباً مستوى يعفي أغلب أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط – مع ملاحظة أن سعر الصرف في سوريا متغير وقد يختلف ما يعادل الليرة بالدولار حسب السوق الرسمي وغير الرسمي.

على ضوء ذلك، تُستفيد من الإعفاء فئات العمال بأجور بسيطة، أصحاب المهن الحرة ممن لا يجنون دخلاً كبيراً، وربما أصحاب الأعمال الصغيرة التي تكاد تقتصر على السوق المحلي مع هوامش ربح محدودة. أما الشرائح ذات الدخل المرتفع، ورجال الأعمال الذين يجنون أرباحاً رأسمالية كبيرة، والمستثمرين في قطاعات مربحة، فستكون عليهم فرض ضريبة وفق نسب تصاعدية أو ثابتة حسب نوع النشاط.

أوعية الإيراد: من أين ستأتي أموال الدولة؟

من بين الأدوات التي ستعتمد عليها الحكومة السورية لزيادة الإيرادات الضريبية:

ضريبة دخل الأفراد: بعد استثناء أصحاب الدخول المنخفضة، سيتولى القانون فرض ضريبة الدخل على الشريحة التي يتجاوز دخلها السنوي العتبة المعفاة. النسب المتوقعة في المسودة تم وصفها بأنها “منخفضة في معظم الحالات ولا تتجاوز 15٪” بالنسبة للرواتب والأجور التي تتجاوز الحد المعفى.

ضريبة دخل الشركات: تحديد نسب ضريبية “عادلة” حسب القطاعات، مع إعطاء ميزة تنافسية للشركات المصدّرة أو العاملة في قطاعات صناعية تحتاج للدعم.

توسيع قاعدة المكلفين: بما في ذلك المكلفين من أصحاب الأعمال الحرة، المهن والحرف، وإلزامية تقديم الإقرارات الضريبية بدقة ووفق المعايير المحاسبية الدولية، وكذلك تدوير الخسائر المقبولة ضريبياً لفترات غير محددة لقطاع الأعمال – ما يعزز من إمكانية الموازنة بين فترات الربح والخسارة.

الإعفاءات والاستثناءات الانتقالية: الإعفاءات لقطاعات الزراعة والصادرات، والتشجيع على الاستثمار الصناعي، ودعم المحتاجين. كما إلغاء أو تعديل ضريبة على أرباح بعض الأسهم أو فوائد الودائع إذا ما نصّ القانون على ذلك.

الرقمنة والشفافية وتبسيط الإجراءات: اعتماد الفوترة الإلكترونية، القضاء على إجراءات مثل الاستعلام الضريبي التقليدي واللجان الاستقصائية التي يُنظر إليها كمصدر تعقيد ومساءلة غير مباشرة.

التحديات المالية والتنفيذية: بين الطموح والواقع

رغم هذه الملامح الواعدة، لا يخلو العرض من مخاطر وتحديات فعلية. أولاً، الإعفاءات الواسعة يمكن أن تُقلّص من إيرادات الدولة في المدى القصير، لا سيما إذا لم تُعَوَّض عبر توسعة القاعدة الضريبية بسرعة أو فرض ضرائب على دخل رأس المال أو أرباح الشركات الكبيرة. ثانياً، التضخم المستمر وتقلبات سعر الصرف يمكن أن تُضعف من فعالية الحد المعفى؛ إذا ارتفع سعر الدولار أو تدهورت الليرة، فإن ما يعادل “12 ألف دولار سنويًا” قد لا يكون كافياً لتغطية كلفة المعيشة المتزايدة. ثالثاً، أحد التحديات الأساسية هو قدرة الإدارة الضريبية على المراقبة والتدقيق، وتقييد التحايل من خلال تحويل النشاطات إلى قطاعات أو واجهات تستفيد من الإعفاءات بطريقة غير مبرّرة. رابعاً، إن لم تُصاحب التغييرات ضمانات قضائية وإجراءات واضحة للمكلفين، فالتشريعات قد تصطدم بعدم رغبة الناس في التسجيل أو تقديم البيانات الحقيقية خوفًا من المفاجآت أو العقوبات.

التوقعات والمردود المحتمل

إذا نُفّذ القانون كما هو مقترح، فمن المتوقع أن تستفيد الخزينة السورية من زيادة الإيرادات من شرائح الأفراد ذات الدخل المتوسط والعالي، ومن شركات صناعية وتصديرية حقيقية. مع ذلك، يجب أن تُعادل هذه الزيادة المالية الخسائر الناتجة عن الإعفاءات والمعايير المنخفضة للنسب في البداية، مما يعني أن المردود المالي الصافي قد يكون محدودًا في السنة الأولى أو الثانية. لكن الأهم أن يثمر القانون عن مكاسب غير مالية إذا نجح في تحسين مناخ الاستثمار، خفض الكلفة البيروقراطية، وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة، ما يفتح بابًا أكبر لاستثمارات محلية وأجنبية، ويزيد من إيرادات الضرائب طويلة المدى.

هل الإصلاح ممكن؟

النظام الضريبي الجديد في سوريا يحمل في طياته إمكانية تغيير جذري إذا ما أُحسن تصميمه وتنفيذه. الأرقام المقترحة تشير إلى رغبة فعالة بالإعفاء والعدالة، لكن على الحكومة أن تُوازن بين التخفيضات الضريبية والإيرادات الضرورية لتمويل الخدمات وإعادة الإعمار. العدالة الضريبية ليست فقط في الإعفاءات، بل في القدرة على جعل الجميع يُساهم حسب قدرته، وضمان أن المكلف لا يُصدم بضريبة مفاجئة، وأن الإدارة الضريبية تكون شديدة الكفاءة والنزاهة. إذا ما وُفِّق في هذه المعادلة، فسيكتب لهذا الإصلاح أن يكون بداية مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي والمشاركة المجتمعية في بناء الدولة.

#الاقتصاد_السوري #النظام_الضريبي #الإصلاح_الضريبي #وزارة_المالية #الضرائب #القطاع_الخاص #الاستثمار #سوريا #الإصلاح_الاقتصادي #الشفافية #العدالة_الضريبية #الموازنة #النمو_الاقتصادي #الأوضاع_المعيشية #السياسة_الضريبية

اترك تعليقا