
الزراعة السورية بين التحدي والفرصة: قراءة اقتصادية في المرحلة الثانية من مشروع تعزيز القدرة على الصمود المحلي
- ودق - Wadaq
- أغسطس 12, 2025
- منوع
- 0 Comments
خاص|ودق
الباحث الاقتصادي| محمد السلوم
مشهد الزراعة السورية تحت الضغط
يعيش المزارع السوري اليوم واقعاً مثقلاً بتحديات متشابكة؛ من ندرة الموارد المائية وتدهور البنية التحتية للري، إلى ضعف القدرة على تأمين المدخلات الزراعية وارتفاع تكاليف الإنتاج في ظل تقلبات السوق. هذا المشهد الصعب انعكس على الأمن الغذائي الوطني، حيث تراجعت كميات الإنتاج وانخفضت القدرة الشرائية، ما جعل شريحة واسعة من الأسر الريفية عرضة للفقر والاعتماد المتزايد على المساعدات. في هذا السياق، يصبح أي تدخل منظم وواسع النطاق ليس مجرد دعم مؤقت، بل استثماراً في إعادة بناء أسس الإنتاج الزراعي وتعزيز صمود المجتمعات المحلية.
أهمية المشروع وأبعاده الاقتصادية
إطلاق وزارة الزراعة بالتعاون مع منظمة الفاو المرحلة الثانية من مشروع تعزيز القدرة على الصمود المحلي يأتي كخطوة استراتيجية لمعالجة هذه التحديات. المشروع يستهدف نحو 114 ألف أسرة زراعية حتى عام 2028، عبر حزمة من التدخلات تشمل إعادة تأهيل أنظمة الري، توفير بذار محسنة، وتطوير سبل العيش. وفق السيناريو المتوسط المبني على المساحات المتوقع استفادتها (قرابة 8,000 هكتار)، يمكن أن تؤدي التحسينات في البنية التحتية والبذار إلى زيادة إنتاج القمح بنسبة 30%، ما يعادل نحو 4,872 طناً إضافياً سنوياً، بقيمة سوقية تقارب 1.56 مليون دولار. هذا الرقم لا يمثل سوى الشق المباشر من العائد، إذ تشير تقديرات استرشادية مستندة إلى نماذج الفاو إلى أن كل دولار يُستثمر في هذا النوع من البرامج يولد ما يقارب ستة دولارات من القيمة الاقتصادية أو التوفير، ما يعني أن حجم الاستثمار الكلي المقدر بنحو 61.6 مليون دولار قد يحقق أثراً اقتصادياً إجمالياً يصل إلى 369 مليون دولار خلال فترة التنفيذ، مع صافي فوائد يناهز 308 ملايين دولار.
السيناريو المتوسط ومستقبل الزراعة المحلية
في حال تحقق السيناريو المتوسط، فإن الزراعة السورية قد تدخل مرحلة من التعافي التدريجي، حيث سيستعيد المزارع جزءاً من قدرته على الإنتاج وتحقيق دخل نقدي مستقر، بمتوسط عائد سنوي للأسرة يقارب 1,080 دولاراً على مدى ثلاث سنوات. هذا التحسن يفتح المجال أمام إعادة تنشيط الدورة الاقتصادية في الأرياف، سواء عبر زيادة الطلب على الخدمات الزراعية أو خلق فرص عمل موسمية في الحصاد والنقل والتسويق. كما أن تحسين المعروض المحلي من القمح والمحاصيل الأخرى يمكن أن يخفف الضغط على فاتورة الاستيراد، ويعزز الأمن الغذائي الوطني في بيئة اقتصادية مضطربة.
رسائل للمزارعين والحكومة
أمام هذه الفرصة، على المزارعين أن ينظروا إلى فترة الدعم بوصفها استثماراً طويل الأمد، وأن يحرصوا على توظيف الموارد الممنوحة في تحسين أساليب الإنتاج، تبني الممارسات الزراعية الحديثة، وإدارة المياه بكفاءة لضمان استدامة الفائدة. أما الحكومة، فإن نجاح المشروع يستدعي تطوير هذه النماذج من المنح والدعم، ليس فقط من حيث الحجم، بل أيضاً عبر تنويع أدواتها، وتوسيع نطاقها لتشمل خدمات الإرشاد الزراعي، التمويل الصغير، وربط الإنتاج بالأسواق المحلية والدولية. كما أن استدامة هذه المشاريع تتطلب أطر متابعة وتقييم دقيقة، لضمان أن تتحول التدخلات الطارئة إلى قاعدة صلبة تدعم الاقتصاد الوطني لعقود قادمة.
بهذا المنظور، يصبح مشروع تعزيز القدرة على الصمود المحلي أكثر من مجرد برنامج دعم؛ إنه استثمار في مستقبل الزراعة السورية، وفي قدرة المزارع على استعادة دوره كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي والاجتماعي.