التصعيد في الشرق الأوسط يربك الأسواق العالمية: العملات الرقمية تنهار، والذهب والنفط يقفزان وسط مخاوف من اتساع الحرب

#ودق | اقتصاد
محمد السلوم | باحث اقتصادي

في تطور عسكري مفاجئ، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الأحد 22 يونيو/حزيران، عن تدمير منشآت التخصيب النووي الرئيسية في إيران، في ضربة أميركية وصفها بـ”الناجحة عسكرياً”. هذه الخطوة أعادت خلط الأوراق على الساحة الدولية، ودفعت الأسواق العالمية إلى حالة من التوتر والارتباك الشديد، وسط ترجيحات بأن المنطقة دخلت فعلاً في مرحلة ما بعد الردع.

فبينما تلوّح إيران بالانتقام، وتفتح جبهات إقليمية محتملة، باتت تداعيات هذا التصعيد محسوسة بقوة على أسواق العملات المشفرة والنفط والذهب، في وقت بدأت فيه سلاسل الإمداد العالمية تواجه تحديات جديدة تعيد إلى الأذهان أزمات ما بعد جائحة كورونا.

العملات الرقمية تتهاوى: الثقة المهزوزة وغياب التحوّط

في مقدمة المتأثرين، جاءت سوق العملات الرقمية، حيث تراجعت معظم العملات الكبرى بشكل حاد، نتيجة مخاوف من تصعيد سيبراني محتمل، وتشديد الرقابة الحكومية على حركة الأصول الرقمية.

فقد تراجعت عملة البيتكوين، العملة الأكبر من حيث القيمة السوقية، إلى ما دون عتبة 100 ألف دولار، مسجّلة نحو 99,600 دولار.

الإيثيريوم خسرت أكثر من 7.5% لتصل إلى 2,204 دولار، في حين هبطت سولانا بنحو 5.5% عند 130 دولاراً.

المستثمرون الذين لجأوا إلى العملات المشفرة كأداة للتحوّط في السنوات الماضية، وجدوا أنفسهم الآن في وجه عاصفة من القلق السياسي، وعدم اليقين التنظيمي، واحتمالات الحرب الإلكترونية.

أسعار النفط ترتفع: شبح إغلاق مضيق هرمز

الضربات الأميركية على إيران تعني الكثير لسوق الطاقة العالمي، ليس فقط بسبب موقع إيران الجغرافي، بل لكونها تطل على مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من صادرات النفط العالمية.

خام برنت قفز بنسبة 6.3% ليصل إلى 96.40 دولار للبرميل.

خام غرب تكساس (WTI) ارتفع إلى 92.80 دولار.

كما شهدت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 9%.

أي تهديد بإغلاق المضيق أو تعرض منشآت خليجية لهجمات محتملة، سيُحدث ارتباكاً فورياً في الإمدادات العالمية، ما سيضغط على الاقتصادات الأوروبية والآسيوية التي تعتمد على تدفق الطاقة من الخليج.

الذهب يلمع من جديد: ملاذات آمنة في زمن الحرب

كعادته في الأزمات الكبرى، عاد الذهب ليكون وجهة المستثمرين الأولى في لحظات عدم اليقين. فقد قفز سعر أونصة الذهب إلى 2,490 دولاراً، بزيادة تجاوزت 3.7% خلال ساعات، فيما ارتفعت أسعار الفضة والمعادن الثمينة الأخرى.

ويتوقّع المحللون أن تستمر موجة الطلب على الذهب، مع تزايد مؤشرات التصعيد العسكري، خاصة إذا تراجعت أسواق الأسهم العالمية، أو تكررت الهجمات على البنية التحتية للطاقة.

سلاسل الإمداد مهددة: العالم يتذكّر هشاشته

رغم أن التوترات حتى الآن لم تعطل شحنات كبرى، إلا أن شركات الشحن العالمية بدأت بإعادة توجيه مساراتها البحرية بعيداً عن الخليج، وسط مخاوف من هجمات بحرية أو قرصنة أو تأخير في التأمين.

ازدادت تكاليف التأمين البحري بنسبة تتراوح بين 15 و25% خلال يومين فقط.

المخاوف تطال قطاعات مثل الإلكترونيات، الأدوية، والصناعات الثقيلة، التي تعتمد على ممرات الشحن في الخليج والمحيط الهندي.

هناك خشية من أن يؤثر التصعيد على إمدادات الصين والهند وأوروبا، ما قد يُحدث اختناقات مشابهة لما حدث إبان جائحة كوفيد-19.

سيناريوهات مستقبلية: بين الحرب والفوضى

وفقاً لتحليل نشرته نيويورك تايمز، فإن هناك أربعة سيناريوهات محتملة لتطور الأزمة:

١- عودة محتملة إلى طاولة المفاوضات رغم التصعيد، وهو السيناريو الأقل ترجيحاً حالياً.

٢ـ تسريع البرنامج النووي الإيراني سراً، كرد فعل على الضربات الأميركية.

٣ـ اتساع رقعة الحرب إقليمياً لتشمل القوات الأميركية وحلفاءها في الخليج.

٤ـ تغييرات داخل إيران قد تؤدي إما إلى تعزيز قبضة الحرس الثوري أو إلى فوضى داخلية يصعب السيطرة عليها.

الاقتصاد رهينة السلاح:

لم تعد الأسواق المالية محصّنة ضد الرصاص والصواريخ. الأحداث الأخيرة تؤكد أن الاستقرار السياسي هو الشرط الأساسي لنمو الاقتصاد العالمي. وإذا استمر التصعيد بين إيران وإسرائيل، بدعم أميركي مباشر، فإن العالم سيدخل مرحلة جديدة من عدم اليقين المالي، وتضخم مستورد، وركود اقتصادي محتمل في بعض المناطق.

في زمن الحرب، يعيد التاريخ نفسه: الذهب يلمع، النفط يشتعل، والعملات الرقمية تختنق… أما الشعوب والاقتصادات، فهي وحدها من يدفع الثمن.

اترك تعليقا