
الإمارات تفتح “بوابة النجوم”: حين تقود دولة عربية ثورة الذكاء الاصطناعي العالمي
- ودق - Wadaq
- يونيو 4, 2025
- تكنولوجيا, منوع
- 0 Comments
محمد السلوم | ودق
في خطوة لا تكتفي بتحدي الواقع بل تسعى إلى إعادة تشكيله، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن شراكة استراتيجية ضخمة مع شركة OpenAI، تشمل – في سابقة عالمية – توفير اشتراك ChatGPT Plus مجانًا لكافة المواطنين والمقيمين. هذه المبادرة، ورغم أن ظاهرها يوحي بـ”رفاهية رقمية”، إلا أنها في جوهرها تحمل إشارات قوية إلى تحول هيكلي في تموضع الدولة ضمن خارطة الذكاء الاصطناعي العالمية.
لكن هذا الخبر، الذي قد يمر سريعًا في عناوين الصحف، ليس إلا غصنًا صغيرًا من شجرة عملاقة آخذة في النمو… اسمها: مشروع Stargate UAE.
ما هو مشروع Stargate؟ أكثر من مجرد مركز بيانات
مشروع Stargate UAE – الذي يحمل اسمًا مستوحى من أفلام الخيال العلمي – هو مركز حوسبي فائق الضخامة يجري إنشاؤه حاليًا في أبوظبي، ويهدف إلى أن يكون أكبر بنية تحتية للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة. بتعاون بين G42 الإماراتية وOpenAI وNvidia وMicrosoft وشركاء آخرين، يسعى هذا المشروع إلى إنشاء مركز بيانات بقدرة تشغيلية نهائية تبلغ 5 غيغاواط – رقم يكاد يعادل مجموع قدرات العديد من مراكز البيانات العالمية مجتمعة.
ومن المنتظر أن تُفتتح المرحلة الأولى بقدرة 200 ميغاواط بحلول عام 2026، لتبدأ بعدها مراحل التوسع التي تستهدف بناء بنية تحتية قادرة على تدريب وتشغيل أكبر نماذج الذكاء الاصطناعي في العالم، مثل GPT وGemini وClaude، ولكن هذه المرة من قلب الخليج.
الإمارات لا تستهلك الذكاء الاصطناعي… بل تصنع قواعده
ما يميّز الرؤية الإماراتية هنا، أنها لا تكتفي بلعب دور “المستهلك المتميز” للتقنية، بل تسعى لأن تكون “الطرف المشارك في صياغة مستقبلها”. وهذا واضح من تحركاتها:
. مشاركة في الملكية والتشغيل مع كبرى الشركات العالمية.
. دعم مشاريع البنية التحتية وليس فقط التطبيقات النهائية.
. تقديم الإمارات كمكان مثالي لاستضافة نماذج الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من استقرارها السياسي، ووفرة الطاقة، وموقعها الجغرافي بين الشرق والغرب.
هنا لم تعد الإمارات “تشتري برمجيات من وادي السيليكون”، بل تجلب وادي السيليكون إلى أبوظبي.
-من رفاهية إلى استراتيجية: البعد الاقتصادي للاشتراك المجاني
إذا افترضنا أن عدد سكان الإمارات يبلغ نحو 11 مليون نسمة، وأن تكلفة اشتراك ChatGPT Plus للفرد الواحد هي 20 دولارًا شهريًا، فإن التكلفة الكلية لهذا القرار تلامس نظريًا حدود 2.6 مليار دولار سنويًا.
لكن الأرجح أن الصفقة تشمل حزمة متكاملة، فيها ترخيص جماعي مخفّض، وربما مقايضة غير نقدية بين الخدمات والبيانات والبنية التحتية.
الأهم من الكلفة هو الأثر:
تمكين الموظفين الحكوميين من أداء أعمالهم بشكل أسرع وأكثر دقة.
دعم الطلاب في مشاريعهم البحثية والكتابية.
منح رواد الأعمال والمبرمجين والمصممين أداة إنتاج قوية مجانًا.
تقليص الفجوة التقنية بين المستخدم العربي والعالم المتقدم.
كل ذلك يدعم مضاعفة الإنتاجية، ويصب في رؤية الإمارات لأن تكون من أكثر الحكومات الذكية في العالم.
من يملك الذكاء الاصطناعي؟ سؤال المستقبل
ثمة سباق عالمي محموم للهيمنة على الذكاء الاصطناعي، تمامًا كما كانت هناك سباقات سابقة على النفط أو الفضاء أو الإنترنت. وما يثير الانتباه أن الإمارات تدرك هذه الحقيقة مبكرًا.
التحكم في البنية التحتية الحوسبية (Compute Infrastructure) هو أحد مفاتيح هذا السباق. فإذا كانت البيانات هي “النفط الجديد”، فإن الطاقة الحوسبية الفائقة (AI compute power) هي مصفاة هذا النفط.
ومن هنا نفهم لماذا تستثمر الإمارات في مراكز بيانات عملاقة بدلًا من الاكتفاء بشراء تطبيقات جاهزة. إنها تريد حصة في “مستقبل الذكاء” لا تقل أهمية عن حصة الدول الكبرى.
– الإمارات والنموذج العربي الممكن
ما يجري في أبوظبي ليس مجرد مشروع وطني. إنه دعوة مفتوحة لبقية العالم العربي: يمكن للعرب أن يكونوا في قلب معادلة الذكاء الاصطناعي، لا على هامشها.
مصر مثلًا تملك طاقات بشرية هائلة في مجالات التقنية.
السعودية تستثمر في مشاريع رقمية ضخمة ضمن رؤية 2030.
المغرب وتونس فيهما بيئات ريادية واعدة.
حتى الدول الخارجة من أزمات (مثل سوريا أو السودان) يمكنها – إن أُحسن التخطيط – الاستفادة من خدمات سحابية عبر مراكز إقليمية مثل Stargate.
المعادلة بسيطة: من لا يشارك في الذكاء الاصطناعي، سيُدار به.
كلمة أخيرة…
حين تعلن الإمارات أن الذكاء الاصطناعي سيكون متاحًا للجميع، فهي لا توزّع هدايا، بل تزرع بنية تحتية لاقتصاد الغد، وتعزز فكرة أن المعرفة قوة – وقوة ناعمة أيضًا.
إنه إعلان سياسي، اقتصادي، وثقافي في آنٍ واحد:
نحن هنا، ولسنا مجرد زبائن لعصر الذكاء… بل نحن شركاء في صناعته.