استطلاع عبد الحفيظ شرف: بين شعبية الشرع وواقع الرأي العام السوري

في نهاية شهر أغسطس 2025، وجد السوريون أنفسهم أمام واحدة من أكبر التجارب الافتراضية في قياس الرأي العام، بعدما أطلق الإعلامي والطبيب السوري عبد الحفيظ شرف استطلاعاً مثيراً للجدل عبر صفحته على فيسبوك، شارك فيه أكثر من 53 ألف شخص، ليكشف عن نتائج صادمة للبعض، ومتوقعة لآخرين.

من هو عبد الحفيظ شرف؟

الدكتور عبد الحفيظ شرف هو شخصية سورية بارزة في مجال التحليل السياسي، اشتهر بتقديم رؤى معمقة حول الوضع السوري وتفاعلاته الإقليمية والدولية، يعتبر الدكتور عبد الحفيظ شرف من الشخصيات المؤثرة في الساحة السياسية السورية، حيث جمع بين الخبرة الطبية والقدرة التحليلية السياسية، مما جعله مصدرًا موثوقًا لفهم تعقيدات الوضع السوري وتفاعلاته الإقليمية والدولية.. من خلال حضوره الإعلامي ونشاطه على السوشيال ميديا، أصبح مرجعاً مهماً في قراءة المزاج الشعبي ومتابعة التحولات السياسية.

كيف بدأت الفكرة؟

في منشور مفتوح على فيسبوك، دعا شرف متابعيه إلى المشاركة في استطلاع رأي حول “الشخصية الأكثر شعبية لرئاسة سوريا إذا جرت الانتخابات اليوم”. أوضح أن الاختيارات جاءت بناءً على ترشيحات المتابعين، وأن الترتيب كان أبجدياً لا يعكس أي أولوية سياسية. كما شدّد على أن الاستطلاع غير مرتبط بأي تنسيق مسبق مع الشخصيات المطروحة، بل مجرد محاولة لقياس الرأي العام في “هذه المرحلة الحرجة”.

النتائج: اكتساح الشرع

شارك في التصويت 53,218 شخصاً، بينهم أكثر من 50 ألف صوت صحيح. وكانت النتائج كالتالي:

أحمد الشرع: 40,701 صوت (81.34%)

مظلوم عبدي: 2,636 صوت (5.27%)

رياض حجاب: 1,769 صوت (3.54%)

معاذ الخطيب: 1,217 صوت (2.43%)

جمال سليمان: 1,060 صوت (2.12%)

برهان غليون: 713 صوت (1.43%)

هند قبوات: 442 صوت (0.88%)

جورج صبرا: 367 صوت (0.73%)

شخصيات أخرى: 1,131 صوت (2.26%)

بفارق هائل، تصدر أحمد الشرع قائمة المرشحين الافتراضيين بنسبة تجاوزت 81%، ليُعلنه شرف في منشوره “الأكثر شعبية وجماهيرية في سوريا”.

جدل ما بعد التصويت

لم يمرّ الاستطلاع بهدوء، إذ أطلق نقاشات واسعة بين المؤيدين والمشككين. البعض رأى فيه دليلاً على شعبية جارفة للشرع، بينما اعتبر آخرون أن النتائج تعكس فقط جمهور متابعي صفحة عبد الحفيظ، ولا يمكن تعميمها على كامل الشارع السوري. شرف بدوره أقرّ بهذه الملاحظة، قائلاً إن “من الناحية البحثية، هناك وجهة نظر بأن العينة ليست ممثلة لكل السوريين”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن حجم العينة (53 ألف مشارك) هو الأكبر في تاريخ استطلاعات السوشيال ميديا السورية، مما يمنحه وزناً نسبياً ويقلل من هامش الخطأ.

كما طرح مبادرة لإجراء استطلاع مشترك مع مؤثرين آخرين من مختلف المناطق والتيارات، وخاصة من شمال شرق سوريا، بهدف الوصول إلى عينة أوسع وأكثر تنوعاً، معتبراً أن “الرأي العام متغير ولا يعكس شيئاً ثابتاً، بل يتبدل مع الظروف والسنوات”.

قراءة تحليلية مستقلة

من موقع المراقب المستقل، يمكن القول إن هذا الاستطلاع يُمثل ظاهرة لافتة في الحياة السياسية السورية، أكثر مما يعكس نتيجة دقيقة لميزان القوى الشعبية. فمن الناحية المنهجية، الاعتماد على منصة فيسبوك لا يضمن الحياد ولا تمثيل كل الشرائح، خصوصاً مع الفجوة الرقمية بين الأجيال والمناطق. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل دلالات الأرقام: وجود أكثر من خمسين ألف مشارك يُظهر تعطش السوريين للتعبير عن آرائهم، واستعدادهم للمشاركة في تجارب بديلة تعكس غياب الآليات الديمقراطية الرسمية منذ عقود.

الاستطلاع كشف أيضاً عن حاجة السوريين لقيادة جديدة تحمل رمزية سياسية وشعبية، كما سلّط الضوء على أسماء ما زالت حاضرة في الذاكرة السياسية، لكنها فقدت بريقها أمام اكتساح شخصية واحدة.

 خطوة صغيرة نحو ديمقراطية حقيقية

مهما كانت التحفظات على المنهجية، فإن مبادرة عبد الحفيظ شرف تبقى تجربة جريئة تعيد طرح سؤال الديمقراطية من قلب الفضاء الرقمي. إنها لا تمنح شرعية نهائية لأحد، لكنها تحيي النقاش العام، وتُعطي للسوريين شعوراً بأن صوتهم يُمكن أن يُسمع.

لذلك، فإن الأجدر أن تُبنى على هذه المبادرات مبادرات أكبر، يشارك فيها مؤثرون من مختلف الأطياف والمناطق، لتعكس صورة أقرب إلى حقيقة الشارع السوري. فحرية التعبير ليست ترفاً، بل هي الطريق الوحيد لبناء مجتمع ديمقراطي يضمن أن يكون الرأي العام هو الحكم الفعلي في تقرير مستقبل البلاد.

اترك تعليقا