
أحمد الشرع.. نجم نيويورك الجديد: كيف قلب الرئيس السوري الطاولة في القمة العالمية؟
- ودق - Wadaq
- سبتمبر 25, 2025
- رأي
- أحمد الشرع, أردوغان, الأمم المتحدة, الحكاية السورية, ترامب, خطاب الرئيس أحمد الشرع, سوريا, قطر, نيويورك
- 0 Comments
خاص ودق – نيويورك
لم يكن حضور الرئيس السوري أحمد الشرع الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة مجرد ظهور بروتوكولي لرئيس دولة خرجت من عقدٍ دموي من الحرب. بل تحوّل الحدث إلى علامة فارقة أعادت سوريا إلى صدارة المشهد الدولي، بعدما بدا وكأنها دولة منسية في عزلة خانقة. في أسبوع واحد، أصبح الشرع حديث الصحافة الأمريكية والأوروبية على السواء، حتى أن بعض المراقبين وصفوه بـ”نجم نيويورك”.
الخطاب الذي كسر الجليد
هذا المزيج من الواقعية السياسية والخطاب التصالحي كان كافيًا لجذب الانتباه الغربي.
في خطابه أمام الجمعية العامة، قدّم الشرع سردًا تاريخيًا قاسيًا لمسيرة بلاده خلال ستة عقود من الحكم السلطوي، قبل أن يعلن أن سوريا اليوم تفتح صفحة جديدة. دعا إلى رفع العقوبات التي أنهكت الاقتصاد السوري، وتعهد بالالتزام بالدبلوماسية والاستقرار، مؤكدًا دعم بلاده للقضية الفلسطينية ورفضها للحروب العبثية في المنطقة. هذا المزيج من الواقعية السياسية والخطاب التصالحي كان كافيًا لجذب الانتباه الغربي.
لقاءات رفيعة المستوى: ترامب وأردوغان في المقدمة
أبرز ما ميّز زيارة الشرع لم يكن الخطاب وحده، بل سلسلة اللقاءات الثنائية التي عكست تحوّلًا في مقاربة القوى الكبرى والإقليمية تجاه دمشق. فقد التقى بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حفل استقبال رسمي أقامه الأخير لقادة العالم. مجرد المصافحة والحديث العلني عن “مرحلة جديدة” مثّلا إشارة واضحة على رغبة واشنطن في فتح قناة حوار، ولو أولية، بشأن العقوبات وإعادة الإعمار.
من جهة أخرى، كان اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحظة محورية، نظرًا لعمق الملفات العالقة بين البلدين، من اللاجئين إلى الوضع في الشمال السوري. المراقبون رأوا في الاجتماع بداية مسار لتبريد التوترات وإطلاق حوار أمني–إنساني يمكن أن يُترجم لاحقًا إلى تفاهمات عملية.
أوروبا تبحث عن موطئ قدم
لم يقتصر الحضور السوري على المحور الأمريكي–التركي، بل امتد إلى العواصم الأوروبية. الشرع التقى رئيسة وزراء إيطاليا التي أبدت استعداد بلادها للعب دور رئيسي في ملف إعادة الإعمار، خصوصًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية. وفي لقاء ثلاثي مع رئيسي وزراء اليونان وقبرص، طُرحت ملفات شرق المتوسط والغاز والتعاون الإقليمي.
لكن المفاجأة جاءت عبر قطر، إذ لعب الأمير تميم بن حمد آل ثاني دور الوسيط حين قدّم الشرع إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هذا المشهد لم يكن مجرد لفتة بروتوكولية، بل إشارة إلى انفتاح باريس على اختبار مرحلة جديدة مع دمشق، عبر بوابة إنسانية–اقتصادية أولًا. بالنسبة لفرنسا، التي تبحث عن نفوذ في شرق المتوسط، فإن سوريا قد تعود إلى جدول أعمالها الاستراتيجي، خاصة إذا ارتبط ذلك بملف اللاجئين.
قطر وواشنطن: جسر نحو الغرب
موقف الدوحة بدا واضحًا: المساعدة في إعادة دمج سوريا في النظام الدولي، بما يتماشى مع أجندة تخفيف التوترات الإقليمية. تقديم الرئيس السوري لماكرون لم يكن صدفة، بل رسالة مزدوجة: أن قطر مستعدة للعب دور الميسّر، وأن الشرع هو رجل المرحلة القادر على فتح الأبواب المغلقة.
في السياق ذاته، اللقاء غير المعلن الذي جمع الشرع مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق حظي باهتمام خاص في الصحافة الأمريكية. إذ فُسّر على أنه محاولة لاستكشاف خطوط تعاون أمني، سواء في مكافحة الإرهاب أو في ترتيبات الحدود، ما يعزز فرص فتح نافذة تفاهم مع واشنطن.
الانطباع الإعلامي: نجم نيويورك
الصحافة الأمريكية، التي اعتادت على تناول الشأن السوري من زاوية الحرب واللاجئين فقط، خصصت مساحات واسعة لتغطية تحركات الشرع. صحيفة كبرى كتبت: “في أسبوع واحد، أعاد أحمد الشرع سوريا إلى دائرة الضوء الدولية”. أخرى وصفت خطابه بأنه “الأكثر مباشرة منذ عقود من رئيس سوري”، مشيرة إلى نبرته الواقعية وانفتاحه على التعاون مع المعسكر الغربي.
العقوبات على الطاولة
ربما كانت الرسالة الأهم في لقاءات الشرع هي وضع ملف العقوبات في قلب النقاش الدولي. معاناته الاقتصادية الحادة جعلت رفع العقوبات – ولو جزئيًا – شرطًا أساسيًا لبدء إعادة الإعمار وعودة اللاجئين. الشرع أرسل إشارة واضحة: سوريا مستعدة لتبني سياسات أكثر براغماتية مقابل انفتاح اقتصادي. بالنسبة للعواصم الغربية، هذا الطرح يفتح الباب أمام اختبار نوايا دمشق، ويمنحها فرصة لإعادة إدماج تدريجية دون أن تخسر أوراق ضغطها.
مرحلة ما بعد نيويورك: ما الذي ينتظر سوريا؟
زيارة نيويورك لم تكن نهاية القصة، بل بدايتها. التحركات الدبلوماسية المتسارعة تشير إلى أن واشنطن والعواصم الأوروبية تدرُس خيارات جديدة للتعامل مع الوضع السوري. قد لا نشهد رفعًا كاملًا للعقوبات قريبًا، لكن الحديث عن إعفاءات إنسانية أوسع أو تسهيلات اقتصادية أصبح مطروحًا بجدية.
في المقابل، فإن تركيا تبحث عن صيغة لتقليص كلفة ملف اللاجئين، فيما ترى أوروبا فرصة لحماية حدودها الجنوبية عبر التعاون مع دمشق. أما قطر، فقد رسّخت موقعها كوسيط رئيسي قادر على تحريك الملف السوري في الاتجاه الدولي.
الخلاصة
بكلمة واحدة: الشرع كان نجم نيويورك، لكن الامتحان الحقيقي سيكون في قدرته على تحويل هذا الزخم الدبلوماسي إلى مسار عملي يُنهي عزلة سوريا
ما حدث في نيويورك هو نقطة تحوّل في صورة سوريا الدولية. أحمد الشرع لم يكتفِ بكسر العزلة، بل قدّم نفسه لاعبًا إقليميًا براغماتيًا يطرق أبواب الغرب بدلًا من التصادم معه. وبينما تبقى الطريق طويلة ومعقّدة أمام إعادة إدماج سوريا في النظام الدولي، فإن القمة الأممية أثبتت أن العالم بات مستعدًا على الأقل للاستماع، وربما للانفتاح خطوة بخطوة.
بكلمة واحدة: الشرع كان نجم نيويورك، لكن الامتحان الحقيقي سيكون في قدرته على تحويل هذا الزخم الدبلوماسي إلى مسار عملي يُنهي عزلة سوريا، ويمنحها موقعًا جديدًا بين الشرق والغرب.