من ساحة المعارك إلى مقاعد البرلمان حزب العمال الكردستاني يشرع في فصل سياسي جديد

PKK يعلن رسمياً التحول من الكفاح المسلح إلى العمل البرلماني بعد قبول أنقرة حزمة عفو مشروط

في خطوة تاريخية تمهد لفصل جديد في الصراع الكردي–التركي، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) أمس نيّته وقف العمليات المسلحة نهائياً والانتقال إلى العمل السياسي داخل البرلمان التركي، بعد أشهر من المفاوضات وطرح أنقرة حزمة من الضمانات الدستورية والعفو المشروط لمقاتلي الحزب.

في 15 نيسان/أبريل 2025، قدّم الرئيس رجب طيب أردوغان أمام النواب في أنقرة عرضاً مفاجئاً: حزمة عفو مشروط عن مقاتلي الـPKK مقابل تحويله إلى حزب سياسي مسجّل رسمياً. تضمن العرض ثلاثة شروط رئيسية:

1. تسليم كامل الأسلحة إلى الأمم المتحدة أو الدول المضيفة.

2. إعادة كافة العناصر إلى سلطات القضاء أو برامج الدمج السياسي.

3. تعديل دستوري يضمن حقوق الأكراد السياسيّة والثقافيّة واعترافاً بالإدارة الذاتية في شمال سوريا.

مبادرة جبال قنديل وتجاوب القيادة

ردّ المكتب السياسي للحزب بدعوة إلى مؤتمر عُقد بين 5 و7 أيار/مايو 2025 في جبال قنديل شمال العراق. وخلال المؤتمر، ظهر القائد المؤسس عبد الله أوجلان عبر رابط فيديو، وقال:

“لقد آن الأوان لأن نحول جراح الأربعين عاماً إلى طاقة بناء سياسي. نثق بأن منبر البرلمان هو القناة الأنجع لتحقيق أهداف شعبنا.”

ثم أعلن الحزب رسمياً وقف عملياته العسكرية اعتباراً من منتصف هذا الشهر، وبدأ مباشرة إجراءات تشكيل الفرع السياسي الجديد.

دوافع التحوّل والتحديات الداخلية

• نشاز الثمن الباهظ: أدرك الحزب أن استنزاف القوة العسكرية أدى إلى تراجع الدعم الشعبي بين الجيل الجديد من الأكراد الذي يهتم بالتنمية والحقوق المدنية أكثر من الصراع المسلح.

• انقسام الصفوف: يواجه التحوّل رفض تيار مسلّح داخل الـPKK يعتبر أن السلم السياسي لا يفي بحقوق الأكراد كاملة. وقد شهدت الأيام الماضية محاولات لإجهاض التحوّل عبر دعوات لعقد مجالس عسكرية طارئة.

• الضمانات الدستورية: رغم وعود أنقرة، يصرّ الحزب على خطوات عملية لتعديل الدستور التركي والاعتراف بالإدارة الذاتية في شمال سوريا قبل الانخراط الكامل بالعمل النيابي.

المناخ الإقليمي وردود الفعل

• أنقرة: رحّبت رسمياً بخطوات الحزب، وأعلنت وزارة الداخلية أنها ستبدأ بالإفراج عن الدعاة المدنيين المعتقلين بملف العلاقة بالـPKK، وإزالة الحزب من قوائم “المنظمات الإرهابية” حال التحقق من تسليم السلاح.

• واشنطن: رحبت الإدارة الأميركية بالتحول السياسي، معتبرةً أن هذا الانفتاح سيعزّز جهود مكافحة “داعش” ويقوّي الشراكات مع التشكيلات الكردية في سوريا.

• دمشق وبغداد: حذّرتا من أن تحويل مجندّين PKK من الجغرافيا العراقية والسورية إلى الساحة التركية قد يخلّ بموازين القوى المحلية ويستدعي ترتيبات أمنية مشتركة.

تداعيات متوقعة على المشهد التركي والسوري

• العلاقة مع قسد : سيسعى فرع الـPKK السياسي الجديد إلى الضغط برلمانياً لتحسين شروط الإدارة الذاتية وشكل التنسيق مع “قوات سوريا الديمقراطية” دون اللجوء للعسكرة.

• التوازن البرلماني: قد يحصد الحزب بين 5–8 مقاعد لأول دورة نيابية يخوضها رسمياً، ما يتيح له تحالفاً مع الأحزاب اليسارية والعلمانية لتمرير مشروعات قوانين الحقوق الثقافية واللغوية.

• التهديد بالمراجعة: إذا شعرت أنقرة أن الحزب لا يلتزم بتنفيذ الشروط أو يعيد تشكيل خلايا سرية، فقد تلغي الحزمة وترجع لخيارات الردع والعسكرة.

أثر هذه الخطوة على المدنيين والمستقبل الإنساني

يبقى الأمل معقوداً على أن ترفع هذه المبادرة معاناة المدنيين في جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، من نزوح واعتقالات وتعليم بلغتهم الأم. وفي حال نجاح التجربة، قد تشكل نموذجاً لحلّ صراعات أخرى في المنطقة عبر الدمقرطة وتداول السلطة بدلاً من العنف.

بعد أربعة عقود من الانقسام والتصادم، يشرع حزب العمال الكردستاني في محاولة طال انتظارها لتثبيت حقوقه من داخل مقاعد البرلمان بدلاً من حقول الحرب. والتحدي الأكبر الآن هو مدى التزام الأطراف بالضمانات الدستورية والبرامج الإصلاحية التي تسبق التطبيق الفعلي لهذا التحوّل.

اترك تعليقا