الحرية على مقاس الأهواء: عدل وتمكين أم تمييز وإهانة؟

في الوقت الذي ترفع فيه بعض المنظمات شعارات العدالة والتمكين وحقوق المرأة، تكشف الوقائع أن تلك المبادئ ما هي إلا شعارات فضفاضة تُطبَّق بشكل انتقائي، ويُعاد تفسيرها بحسب الأهواء الشخصية والخلفيات الإيديولوجية، لا بحسب قيم الإنصاف والمساواة.

ما حصل مؤخرًا داخل منظمة “عدل وتمكين” مثال صارخ على هذا النفاق الحقوقي، بعد تسريب تسجيلات صوتية تُظهر مسؤولة في المنظمة وهي تهاجم وتُهين المنقبات اللواتي رغبن في الانخراط بالمركز أو التقدّم للعمل فيه. لم تكتفِ الإدارة بالرفض الإداري، بل أرفقته بخطاب مليء بالتحقير والتنميط والازدراء، على خلفية دينية بحتة.

أين المساواة التي تتفاخر بها هذه المنظمة؟

كيف يمكن لمؤسسة تدّعي الدفاع عن الحقوق والحريات أن ترفض امرأة لمجرد ارتدائها الخمار، وتمنعها من العمل أو حتى من دخول مكان عام؟

هل الحجاب بات تهمة؟ وهل صارت القيم الدينية عبئًا يجب التخلص منه ليحصل الإنسان على “حقه” في التمكين؟

المفارقة المؤلمة أن هذه الممارسات لا تصدر عن أجهزة قمعية أو سلطات استبدادية، بل عن جهات من المفترض أنها تعارض هذا المنهج، وتتصدّى له. لكن الحقيقة أن ما جرى هو شكل آخر من أشكال التسلّط، يستبدل السلطة الأمنية بسلطة “التقدّمية الانتقائية”، ويمنح الحرية لمن يشبه أصحاب القرار فقط.

التمييز ضد المنقبات ليس مجرد خطأ فردي، بل ممارسة ممنهجة تمسّ فئة كبيرة من النساء السوريات، وتُقصيهن من الفضاءات العامة، فقط لأنهن اخترن نمطًا مختلفًا في التعبير عن هويتهن. هذا التصرّف لا يُهدّد فقط مبدأ العدالة، بل يضرب قيم الثورة ومطالبها الأساسية في مقتل.

إن ما حدث يستدعي وقفة جماعية جادة من المجتمع المدني والحقوقي، لمحاسبة المنظمة وكشف زيف شعاراتها، والتأكيد أن التمييز على أساس المظهر الديني مرفوض، أياً كان مصدره أو المبررات التي تُقدَّم له.

من واجبنا كمجتمع أن نرفض هذا النوع من “التمكين المشروط”، وأن نطالب ببيئة عمل تُحتَرَم فيها خيارات النساء مهما اختلفت، دون فرض قوالب موحّدة تُملى عليهن تحت مسمى “الحداثة” أو “التحرر”.

العدالة لا تُجزأ. والحريات لا تُقاس بذوق إدارات المنظمات.

من يُقصي المختلف اليوم، لا يحق له أن يتحدث باسم المقهورين غدًا.

اترك تعليقا